حمدي رزق يكتب: صيدلية الإنسانية!!
كل من يمر على أبواب «صيدلية الإنسانية» يجدها مغلقة الأبواب حدادًا، يترحم على الصيدلى «سامى سلامة»، ويتمتم الله يرحمك يا طيب، ويجعل في ابنك الطيب عوضًا.
الصيدلى الكريم عرف واشتهر بأعمال الخير والبر، كان يقدم الدواء مجانًا قدر طاقته للفقراء والمحتاجين من المسلمين والمسيحيين على السواء.
وما كان يبيت على دواء يحتاجونه لو لم يكن متوفرًا في صيدليته، ينفر لتوفيره على وقته، ويقدم خدماته الصيدلانية مجانًا، قياس السكر والضغط ومتابعة الأدوية الخاصة بأصحاب الأمراض المزمنة.. وفى الجائحة، نذر نفسه وعيادته لمتابعة الحالات وتوفير أسطوانات الأكسجين وأدوية البروتوكولات، ما جعله في قلوب قبل بيوت أهل الكفر جميعًا.
القرية المصرية تضرب الأمثال جميعًا، مساجد «كفر أبوحسين» بالزقازيق قطعت صمتها بين الصلوات، لتعلن خبر وفاة الدكتور سامى الملقب بـ«صيدلى الغلابة»، حدث ليس بغريب على الأصالة، والرقى.
في القرى الطيبة، يسطرون سطورهم في كتاب المحبة، في النجوع والكفور يطالعون كتاب «فقه المحبة الشعبية»، ويرسمون صورًا منيرة، صور لوطن تنعى فيه المساجد مسيحيًا صالحًا، لم يفرق أبدًا بين مرضاه، وكان يكرم الفقير والمسكين ويبر المريض، فأكرموه في طلعته، ومشى منهم خلق كثير في جنازته، يودعونه خير وداع يليق بالخيرين.
في تجليات فقه المحبة وكرمات الأصلاء، لا تسألن عن السبب، وهل يسأل محب عن المحبة، ما حدث تعبير جمعى عفوى جميل، من عناوين المحبة، وإن تعدوا صور المحبة لا تحصوها، صورة بألف مما تعدون، صورة تقول إن المحبة ساكنة تحت الجلد تحديدًا في قلوب الطيبين، ليتكم تفقهون فقه المحبة الذي جافاه قساة القلوب.
تجلى هذه الصور الطيبة في «كفر أبوحسين» يمحق صورًا كئيبة هناك في قرى نائية ضربت بالكراهية، بين ظهرانينا بشر يقتاتون الكراهية، ويصدرون الجفوة، ويظلمون ذوى القربى، ويطالعون كتاب «فقه الكراهية».
عقود طويلة عبرت تفشت فيها فتاوى الكراهية وصدرتها وجوه قبيحة، وألسنة حداد سلقت إخوتنا بفاحش القول، وهم أقرب إلينا «.. وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ ذَٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ». (المائدة / ٨٢)
مقاومة الآفات الضارة ترعى في زراعات المحبة بطرق المكافحة اليدوية، تخفف وقع وباء الكراهية الأسود، ولكن رش الحقول الواسعة على مستوى الوطن يستوجب تدخل الدولة رأسيًا في مقاومة آفات الطائفية البغيضة، يستوجب الرش من أعلى، الوباء شديد ضرب الزراعات الوطنية، ورق الزرع أصفرّ في الأرض الشراقى لماء المحبة الشحيح.
أهلنا في كفر أبوحسين كَـفَونى الكلام، عملوا ما دلتهم عليه قلوبهم، استفتوا قلوبهم، لم يستفتوا أحدًا من جماعة يجوز بشروط، وحلال على شرط.
وفى الأخير، هلا عملنا نحن ما علينا، هل قمنا بواجبنا المستوجب؟، هل أصلحنا ما في أنفسنا؟، هل روينا الحقول بماء المحبة؟.
هل تشربت الأجيال الشابة معنى المحبة، التي يستبطنها العجائز مثلنا؟، وهن العظم واشتعل الرأس شيبًا ونحن نتشوق لقطرات ندى المحبة تلمع على الورق الأخضر ساعة شروق شمس الوطن.