حمدي زرق يكتب: لا إقصاء اليوم..
الأوطان لا تنبنى على ثأرات سياسية مزمنة، ما ضاع من عمر الوطن فى احتراب يستوجب تعويضه بحوارات وطنية على أرضية وطنية وبأجندة وطنية.. وفى الحوار الوطنى متسع لكل رأى معارض، وعام مضى من الحوارات التوفيقية يؤشر على مستقبل الحوار توافقًا يراعى مصالح الوطن العليا.
مصر لم تعدم معارضين وطنيين نجباء، يعارضون على أرضية وطنية، ويطرحون رؤية وطنية، ويقفون موقفًا منصفًا من وطنهم الذى يحتاج بشدة إلى المعارضة الرشيدة تمتينًا للحكم، وتثبيتًا للدولة الوطنية، ورسم صورة لمصر مغايرة للصورة التى يرسمها الإخوان والتابعون فى فضائهم الإلكترونى.
نطمح إلى معارضة وطنية، تبنى مواقفها على أجندة وطنية، معارضة بَنّاءة، تصب فى إناء الوطن، لا تصب فى آنية مسمومة.
سنوات الإعمار فى عمق البنية التحتية للدولة المصرية تمر بنجاح موثق، لماذا يقف منها نفر موقف الرافضين، دون رؤية بديلة، دون برامج واقعية، دون تبصُّر للمخاطر التى تحيق بالدولة المصرية، مصر فى قلب بحر مضطرب والسفينة العتيقة تشق عُبابَ البحر، بمعنى ارتفاع موج البحر واصطخابه.
موقف هذا النفر الذى لا يُشك فى وطنيته يحتاج إلى مراجعات ضرورية، معارضة موقف وليس صفة ولا مهنة يمتهنها البعض، ويعمل عليها، ولا يغادرها إلى موقف أكثر إنصافا من الرفض التام أو الموت الزؤام.
احتفاء قنوات الإخوان ومنصاتها بما ينفثه هذا النفر من رفض مطلق، خليق أن يفكروا فيما يقولون، هل هذا فى صالح وطن ينتمون إليه، ويعيشون فى رحابه، مراجعة المواقف ضرورة وطنية.. فرض عين.
المعارضة الحقيقية من الأعمال السياسية الشاقة، ليست نزهة خلوية، أنا معارض أنا رافض، وكل هذا العالم من حولى لا أحد، نظرية الخيار صفر، إما نحن وإما هم، هذا خذلان لشعب عنده أمل.
ما نرجوه المعارضة الرشيدة. التمترس فى خانة الرفض، والرفض للرفض، وتصدير الرفض فى كل مناسبة، والموافقات المشروطة، وعصر الليمون، ومغازلة جمهور الفضاء الإلكترونى دون تبصُّر بالمآلات، لن يبنى جدارًا فى عمارة الوطن، يهدم البناية على رؤوس ساكنيها.
الرفض لمجرد الرفض يساوى هدمًا، والبناء يحتاج إلى رؤية أعمق وأشمل لاعتبارات وطنية حرجة تستنهض همم الوطنيين معارضين ومؤيدين، الحوار الوطنى تفاؤلًا يمد جسورًا تذهب بنا إلى ما نصبو مستقبلًا.
الرفض مهضوم فى سياق التداول السياسى، ولكن من غير المهضوم أن يكتفى المعارضون بالرفض باعتباره غاية المنى ونهاية المطاف وليسجلوا أسماءهم على حوائط الرفض الفيسبوكى بافتخار يعجب الشطار.
لا عاقل يطالب معارضًا بمغادرة خانة «الرفض» حقه تمامًا، مأجور عليه، ومَن يجد فى نفسه أهلية سياسية فليخض غمار معركة الوطن بأجندة وطنية خالية من أى تحزبات تنفى الآخر.. تُقصيه، لا إقصاء اليوم.
المعارضة عمل سياسى تراكمى، والمعارضة على أرضية وطنية تُحترم، ويلزم تشجيعها، وإنصافها، ويستوجب الأمر التمييز بينها وبين المعارضة على أرضية خارجية بتمويلات مجهولة ومخططات استخباراتية تستهدف تركيع وطن عظيم اسمه مصر.