دينا شرف الدين تكتب: سلسلة لمحات من مصر على مر العصور (مصر القديمة 1)
يعد التاريخ المصري أقدم تاريخ تم تدوينه بسجلات التاريخ الإنساني كله، وللمصري القديم السبق والريادة بكافة أبجديات الحياة البشرية، فقد كان أول من عرف الزراعة والاستقرار والنظم الاجتماعية التي كانت النواة لما يسمى بالمجتمع وما عرفه البشر بمختلف بقاع الأرض فيما بعد.
فالأخلاقيات، عرفها الإنسان القديم قبل نزول الأديان السماوية بآلاف السنوات، والتي تم وضعها لتنظيم العلاقات والتعاملات بين الناس، بعدما استقر الإنسان على ضفاف وادى النيل وعرف الزراعة وبنى البيوت ووضع القوانين التي تحميه وتضمن حقوقه بين الآخرين بعدما انتهى عصر البدائية والهمجية، والذي كان الإنسان فيه أشبه بالحيوان المفترس الذى يلتهم كل من يعترض طريقه أثناء رحلة البحث عن الطعام حتى وإن كان من يجاوره فى الكهف الذى يسكنه!
إذ كانت هناك، ومنذ قديم الأزل، مجموعة من القيم الأخلاقية التي اكتسبها الإنسان يوماً بعد يوم فاستتبت وتأصلت وباتت أشبه بالقوانين العرفية التي يحترمها ويقدسها الجميع بشكل ودى، ومن يتخطاها أو يخرج عنها لا يستطيع أن يواجه المجتمع أو حتى يرفع رأسه خجلاً من كونه خارجاً عن العادات والتقاليد التي كانت أقوى وأشد صلابة من القوانين المكتوبة.
وقد وضع المصريون القدماء «قوانين الماعت الـ 42» التي وُجدت مدونة بالكامل فى كتاب «الخروج إلى النهار» الذى سبق ظهور الوصايا العشر بحوالي 2000 سنة. والتي لم تأتي من فراغ فقد سبقها ظهور تعاليم «بتاح – حتب» والتي كانت كلها أدلة على اعلاء قيمة الفضيلة فى مصر القديمة منذ فجر تاريخها.
في «عصر ما قبل التاريخ».. بدأ استقرار المصري الأول في وادى النيل (حوالي 6000 ق.م) حين عرف الزراعة، واستأنس الحيوان، واستقر في مجتمعات صغيرة متعاونة، حيث تكونت في مصر آنذاك دولتان، في الدلتا والصعيد، ذلك قبل أن يتوحدا سنة 3100 ق.م. تحت سلطة مركزية يرأسها الفرعون بعهد (مينا) موحد القطرين.
وقد ترك لنا أجدادنا الأوائل من الرسوم والكلمات المدونة على جدران المعابد والمقابر المصرية القديمة ما يؤكد إيمانهم الراسخ بالبعث والخلود والحساب بالحياة الآخرة، كما تميزوا بالتسامح فيما يخص العقيدة، حيث كان لكل إقليم معبوداته الخاصة ما يدل على سمو التفكير لدى المصريين القدماء.
وفي «العصر التاريخي الثاني».. والذي عُرف بعصر الأسرات، وينقسم إلى 30 أسرة ملكية وثلاث دول، نعمت مصر خلالها بحكومة مركزية قوية، كما مرت أيضاً بفترات اضمحلال وتفكك ببعض الأوقات.
وكان لموقع مصر الجغرافي المتميز الذي يربط بين قارتي آسيا وإفريقيا ويرتبط بقارة أوروبا عن طريق البحر المتوسط وكذلك لخيراتها الوفيرة، تبعات قد أثقلت كاهلها، جرّاء كثرة الأطماع التي كانت سبباً دائماً لتوافد المحتلين من كافة أنحاء الأرض.
(مصر القديمة)..
نجح المصري القديم في المحافظة على الملامح العامة لتاريخه عبر العصور المختلفة الطويلة على الرغم من تأثر مصر أحياناً بعوامل التمزق والاضطراب الداخلي أو التأثيرات الخارجية من غزوات وهجرات أجنبية، لكنه استطاع تجاوز هذه المحن، وتلك الصعاب منذ العصر الحجري الحديث وحتى الغزو المقدوني لمصر عام 332 ق م، إذ كانت الهوية المصرية من التماسك بحيث لم يقو أي محتل أجنبي أن يعبث بها أو يغير قط ملامحها.
(عصر الأسرات)
«العصر العتيق» من (3100 – 2686) قبل الميلاد، وهو العصر الذي يحدد بداية التاريخ، ويُعرف أيضا بالعصر الثيني نسبة إلى مدينة ثيني التي تقع بالقرب من أبيدوس بصعيد مصر، ويشمل الأسرتين الأولى والثانية.
تميز هذا العصر ببداية استقرار وحدة مصر السياسية، وبمعرفة الكتابة، وظهور المصادر التاريخية المكتوبة لأول مرة، كما يعتبر عصر التكوين بالنسبة لنظم الحكم والإدارة واختيار عاصمة إدارية للبلاد.
(الدولة القديمة)
وتشمل الأسر من 3-6 (حوالي 2690 – 2180 ق.م) وهو عصر الأمن الداخلي الكامل، حيث تمكنت مصر أن تصل إلى قمة مجدها في علوم الطب والفلك والهندسة وهو عصر بناة الأهرام.
(عصر الاضمحلال الأول):
تبع الدولة القديمة عصر اضمحلال شمل الأسرة من 7- 10 ( حوالي 2180 – 2060 ق.م )، فسادت الفوضى وعمّ الاضطراب وانحدر الفن برغم ازدهار الآداب، وتمكن أمراء طيبة أن يوحدوا البلاد ثانية وينهضوا بها.
(الدولة الوسطى):
وتشمل الأسر من 11- 14 (حوالي 2060 – 1710 ق.م) حيث اهتم الملوك بالسياسة الخارجية ، وسيطروا علي النوبة السفلى ونفذوا مشروعات ري ضخمة.
(عصر الاضمحلال الثاني)
ويشمل الأسرات 15-17 ( حوالي 1710 – 1560 ق.م ) وقعت فيه مصر تحت احتلال الهكسوس، إلى أن تمكن أمراء طيبة من تحرير البلاد بقيادة سقنن رع وابنيه كامس ثم أحمس الذين يعتبرون مؤسسو الدولة الحديثة.
(الدولة الحديثة أو عصر الإمبراطورية):
تشمل الأسرات 18-20 (حوالي 1580 – 1085 ق.م) وخلالها امتدت سيادة مصر من شمال سوريا وبلاد النهرين إلى الشلال الرابع في السودان، وكانت طيبة عاصمة للإمبراطورية وهناك شُيدت أعظم المعابد وأروع المقابر.
(عصر الاضمحلال الثالث)
ويشمل الأسر 21- 25 ( حوالي 1085 – 663 ق.م ) حكم فيها البلاد ملوك من أصل ليبي منهم شيشنق ويوكوريس وآخرون من أصل نوبي أشهرهم يعنخى.
كما غزاها الآشوريون فثار المصريون وحرروا البلاد من سيطرتهم بقيادة بسماتيك الأول الذى أسس الأسرة 26 (حوالي 663 – 529 ق.م) وأرجع لمصر قوتها وبدأ عصر النهضة، ثم استولى الفرس على البلاد ونجحت بعض الشخصيات القوية في طردهم، لكنهم سرعان ما عادوا طوال الأسرات 27-30. وكانت نهاية تاريخ مصر القديمة بغزو الإسكندر الأكبر لمصر وطرد الفرس منها 332ق.م.
نقلا عن موقع الجمهور