دينا شرف الدين تكتب: “هل تفضلونها مطلقة ؟”
{ رفضت الفتاة المسكينة الزواج بالطرق التقليدية و مرت بها السنوات ، لكنها لم تمر مرور الكرام فقد حققت على المستوى المهني نجاحات كثيرة و تدرجت بالمناصب في عملها الذي تحبه و تتقنه و تركت مسألة الزواج للنصيب و الصدفة التي تحقق أحلامها و رفضت ما دون ذلك كأبسط حق من حقوقها ، و لكن الأم الفاضلة لم يسعدها نجاح و تميز ابنتها و تحققها ، فظلت تنغص عليها حياتها من أجل الزواج بأي عريس يطرق أبوابها و تمارس كافة أساليب الضغط حتى بلغت بها القسوة لإجبار الفتاة على ترك عملها الذي تحققت به ليتم حبسها بالمنزل و قيامها بكافة الأعمال المنزلية قهراً و ذُلاً مقابل امتناعها عن الزواج الذي لا يحقق أمانيها ، حتى سقطت ذات يوم أمام هذه الأم ميتة بسكتة دماغية جراء شدة الضغط و قسوة المعاملة !
فما بال هذه الأم التي ضحت بابنتها لتفارق الحياة أمام عينيها من أجل حفنة عفنة من المفاهيم و التقاليد المسمومة التي لا تستند علي أي سند شرعي أو قانوني أو إنساني !}
كانت القصة السابقة التي سمعتها من أحد الصديقات لأسرة تعرفها عن قرب قد حدثت بها تلك المأساة التي يجب وضعها بقائمة المشكلات الإجتماعية التي تستلزم سرعة العلاج ووضع الحلول .
” قعدة الخزانة. ولا جوازة الندامة “
فهذا المثل الشعبي المصري القديم كان يعبر بمنطقية و صدق عن حكمة عميقة فطن إليها أجدادنا الذين توصلوا بخبراتهم الحياتية المتعددة إلي خلاصة القول .
، فلم يخرج هذا المثل هباءً و إنما خرج من رحم معاناة الكثيرات و ذويهم و حيرتهم ما بين هذا و ذاك و أيهما أفضل و أصلح للمرأة و لمن حولها و للمجتمع كله .
و نحن الآن عزيزي القارئ بصدد اختيار الأفضل بين هاتين الظاهرتين ، أيهما أضر و أيهما أصلح لجميع الأطراف بشكل خاص وتأثيرها على المجتمع بشكل عام .
* ( العنوسة ):
فهي كلمة غير منطقية و غير لائقة يطلقها البعض على الفتاة عندما تتجاوز السن الشائع للزواج ، في حين أن هذا السن المقرر لم يأت به قانون أو شرع لكنه يختلف من مجتمع لآخر ومن حضارة لأخرى ،
فكلما كان هناك تقدم كانت هناك حرية و احترام لآدمية الشخص و تخلص من حدة العادات و التقاليد الخاطئة التي تم ترسيخها بناءً على معتقدات ووجهات نظر أشخاص قد يصيبوا أو يخطئوا .
و يختلف هذا العمر من مكان لآخر، ففي حين ترى بعض المجتمعات البدوية وأهالي القرى أن كل فتاة تجاوز عمرها العشرين ولم تتزوج عانسا، تجد أن مجتمعات المدن تتجاوز ذلك إلى الثلاثين وما بعدها لمن تطلق عليها صفة العانس نظراً إلى أن الفتاة يجب أن يتم تعليمها قبل الارتباط والإنجاب.
و يمثل معدل العنوسة في مصر 17% من الفتيات اللاتي في عمر الزواج، ولكن هذه النسبة في تزايد مستمر وتختلف من محافظة لأخرى ،حيث تقل بوجه قبلي و ترتفع بالحضر .
و من أهم أسباب انتشار العنوسة في مصر هو ارتفاع معدلات البطالة وغلاء المهور و الإسكان وارتفاع أسعار تكاليف الزواج الأخرى الناتجة عن العادات والتقاليد المتبعة، وكذلك ارتفاع معدل التعليم بالنسبة للإناث وأيضا تباين الكثافة السكانية من حيث الجنس إذ أن عدد الإناث أكثر من عدد الرجال
كما تشير الإحصاءات المتاحة من بعض الدول العربية أنها فعلا ظاهرة من حيث العدد ومن حيث الانعكاسات النفسية والاجتماعية على السواء،
و لكن:
بكل أسف في مجتمعاتنا الشرقية و تحديداً الإسلامية تمارس كافة أشكال الضغط و التعنت فيما يخص زواج الفتاة و تجاوزها السن المتفق عليه داخل المجتمع و الذي يختلف كذلك ما بين الريف و الحضر ، و نعتبر رفض الزواج بالطرق التقليدية مثل ما يسمونه (بـ زواج الصالونات ) نشوذ و تمرد من البنت و اعتبار رغبتها المشروعة في العثور على الشريك المناسب للحياة و حلمها بالحب و التوافق الإجتماعي و التعليمي و الثقافي أزمة مجتمعية قد تودي بها بمرور السنوات إن لم يسعدها الحظ و يطبطب عليها القدر بما تحلم به و ترضاه لتتخذ قرار الزواج الذي ينتقل بها من حياة إلي أخري مختلفة عنها شكلاً و موضوعاً ، بها ما بها من مسؤوليات وأعباء و ربما أولاد ،
و التي لا يقوى على حملها طرف بمفردة دون مساندة الآخر الذي يشاركه الحياة بكل ما فيها من أفراح وأحزان ، ضيق و رغد ، ليكونا بالحب و التفاهم و التناغم عوناً لبعضهما البعض في مواجهة تقلبات الحياة التي لا تنتهي .
و لكن :
للأسف الشديد هناك عقليات جامدة متحجرة ما زالت تمارس الضغط علي بناتهن من أجل الزواج كي لا يفوتها قطاره الذي يزعمون !
و هذا ما قد يؤدي إلي كوارث لا تتحملها سوي تلك الضحية المقهورة التي قررت الإستسلام و الإنصياع لصوت مفاهيم خاطئة عفا عليها الزمان و ثبت بالعقل و المنطق و التجربة أن تبعاتها أشد قسوة و أتعس حال.
فكم من فتيات ناجحات متحققات علمياً و عملياً قد اضطررن إلي الخضوع لمثل هذه الضغوطات الغير منقطعة من الأهل و المجتمع الذي ما زال ينظر لهن نظرة تساؤل و إن كانت ضمنية كما لو كن ناقصات لمجرد أنهن لم يتزوجن بغض النظر عن أسباب ودوافع هذا التأخر ، و محاصرتهن بكافة أشكال اللوم على ذنب لم يقترفنه !
ناهيك عن كثرة حالات الطلاق التي بلغت ذروتها في السنوات الأخيرة ، و التي تعد مسألة الزواج الخاطئ للبنت حتي لا تتجاوز السن أحد أهم أسبابها .
إذ أنه ما زال هناك مفهوم كارثي شائع بين بعض الأمهات
( أن تحمل البنت لقب مطلقة أفضل من لقب عانس ) !!!
و في هذا قمة التراجع الفكري و التأخر الحضاري و القسوة الإنسانية ، نظراً لتحكم عادات سيئة في مصير طرفين ارتبطا دون معطيات منطقية لتخرج نتائج غير مرضية تعود بالفشل و الظلم علي هذان الطرفان اللذان ربما يخرجوا ثلاثة أو أربعة ضحايا جدد لـ حسبة خاطئة !
*أعزائي الآباء ، عزيزاتي الأمهات :
هل لنا من وقفة جادة مع النفس و مع المجتمع بمعتقداته التي لا توافق تطورات الزمن في بعض القضايا لنرى الصورة كاملة و نتأملها جيداً فنصحح المفاهيم التي تؤذينا و نتدارك الأخطاء و نفتح الباب للنصيب و التوفيق و الصدفة التي قد تصادف البعض ولا تصادف البعض الآخر ،
كي لا يتحول هذا الحلم الجميل الذي يراود كل فتاة إلي كابوس مزعج يقض مضجعها و يؤرق من يحيطون بها جميعاً و يخلف المزيد من الضحايا الجدد لتظل المأساة مستمرة .
*إذن :
أيهما أفضل للمجتمع عانس ناجحة متحققة نافعة لنفسها و من حولها أم مطلقة محبطة يثقل كاهلها أطفال قد يصيبهم المرض النفسي ليصبحوا غير أسوياء جراء ذنب لم يقترفونه ، فتواجه هي الأخرى انتقادات من نوع آخر خاصة بالمرأة المطلقة من مجتمع لا يرحم في كل الأحوال ؟