مقالات

د. أحمد شندي يكتب: علم الاجتماع بين الحداثة والأصالة

د. أحمد شندي يكتب: علم الاجتماع بين الحداثة والأصالة

د. أحمد شندي يكتب: علم الاجتماع بين الحداثة والأصالة
د. أحمد شندي

لاننسي أن علم الاجتماع قد جاء نتيجة للحداثة، فعلم الاجتماع علم وضعي يبحث في القوانين التي تحكم سيرورة المجتمع ويدرس الظواهر الاجتماعية بموضوعية ذو مدخل عقلاني يؤمن بالفعل الانتاجي، يعتقد ويرسخ فكرة التقدم والتحضر ويسعي إلي فهم وحل إشكالات الحداثة، فالمجتمع المعولم بات خاضعا لسلطة تكنولوجيا الاتصال التي جعلت منه قرية كونية علي حد تعبير ( مارشال ماكلوهان) هذه التكنولوجيا مكنت من توسيع نطاق التبادل الثقافي بين الأفراد والمجتمعات رغم تباعد المسافات ، فأدي لحدوث ما يسمي بالانفجار الثقافي ،وكذلك توسيع نطاق تبادل المعلومات والمعرفة وبالأخص نحن نعيش اليوم في كنف عصر المعلومات تحت مظلة إقتصاد جديد ألا وهو: إقتصاد المعرفة، فليس الزراعة ولا الصناعة من يحرك مجتمع اليوم ( مجتمع المعلومات) بل قوة المعلومة هي المحرك بالمعني الصحيح الأقوي لمن يمتلك المعلومة.

وعند الحديث عن مفهوم الحداثة فهو يرتبط بشكل كبير بالتقدم والتحضر فهو مفهوم غربي لا نعثر عليه في أية حضارة أخري، ولا يمكن حصره لأنه مائع وذلك يرجع لطبيعة الحداثة فهي متجددة باستمرار ومحتواها يتغير بسبب التقدم الصناعي والتكنولوجي،

هذا كله يجعلنا لا ننكر أن الحداثة مفهوم فضفاض لكن ابتداء يمكن التسليم بأن التصورات هي التي تحكم هذا المفهوم في ذهن أي واحد منا، السروال قد يعتبر حداثة عند بعض الناس، بينما يعتبر آخرون أن نزع السراويل أقصى ما يجب أن تكون عليه الحداثة، كما أن الحداثة في 2020 قد تختلف عن الحداثة في 2050 لأن الإدراكات والتصورات التي يكونها الأفراد عن الحداثة سوف تختلف. فالحداثة عندنا اليوم قد تقترن بالهواتف الذكية، وآخر صيحات الموضة، بينما الحداثة في مكان آخر قد تختلف كليا عن محتوى حداثتنا.

خلاصة القول: 

علم الاجتماع ما بعد الحداثة يلعب دورا مهما في محاكاة ومشاكلة الواقع الجديد بكل قضاياه في عصر الما بعديات ( ما بعد الحداثة ، ما بعد الصناعة ، ما بعد البنيوية….الخ)، فعلم الاجتماع ما بعد الحداثة هذا العلم الجديد الذي بدأ ينزع نحو بديل نظري جديد ، نحو نظريات سوسيولوجية تعددية منفتحة ومرنة، بعد ما تربعت علي عرشه لسنوات طويلة تلك النظريات الكليانية ذات الفكر الشمولي والأوحد، فعلم الإجتماع ينظر للبناء الاجتماعي والفاعل الاجتماعي علي أنهما مكملان لا يتعارضان، بالفعل لقد تجاوز اليوم علم الاجتماع ما بعد الحداثة ذلك التشرذم الحاصل بين ( الماكر وسوسيولوجي) و ( المايكرو سوسيولوجي) الذي أودي بمكانة علم الاجتماع إلي التراجع، وهو الأمر الذي جعل بعض علماء الاجتماع المعاصرين ينتفضون ضد هذا الانقسام النظري ليعلنوا عن ميلاد علم اجتماع جديد يرفض الثنائيات المتشرذمة ويؤمن بالازدواجية والتكامل بين الماكرو والمايكرو، البناء والفاعل.

بتعبير آخر، فـ”باومان” يرى أن المركز اليوم تحول نحو “الاستهلاك بمعناه العميق للمكان والقيم والأشياء والعلاقات في ظل العولمة، وأصبح التحديث المستمر لكل شيء، دون وجود أي غاية من هذا التحديث، هو الغرض في حد ذاته، فإن “ما تتميز به طريقة الحياة الحديثة عن أنماط الحياة السابقة السائدة يكمن في التحديث الوسواسي القهري الإدمانيّ.

قولا واحدا: علم الاجتماع اليوم بحاجة إلى إعادة اكتشاف ذاته الذي تاه عنه وسط ذلك الدفق المتواصل من المفاهيم والمصطلحات والتوصيفات الجديدة التي راحت تعلن عن نفسها تباعاً منذ بداية النصف الثاني من القرن العشرين، من قبيل: ما بعد المجتمع الصناعي، مجتمع الاستهلاك، ثقافة الصورة، ما بعد الحداثة، العولمة، الليبرالية الجديدة، ما بعد الدولة، المجتمع العالمي… إلخ وبفعل ذلك الإيقاع السريع للحياة، حيث أخذ الجميع يلهث من أجل اللحاق بركب التطور العلمي والاقتصادي والتقني الذي تشهده المجتمعات الإنسانية بصورة غير مسبوقة.

نهى مرسي

نائب رئيس تحرير الموقع
شاهد ايضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى