د. أحمد يوسف الحلواني يكتب .. القران الكريم يقرأنا أم نقرئه؟
إذا فتح الله – تبارك وتعالى – على عبد صادق في تدبر القرآن الكريم وتمثله ، أصبح بلا ريب عبدا مُتصالِحاً ، يتصالح فيه الروح مع النفس مع البدن ، يتصالح الظاهر مع الباطن ، في الخلوات ، وفي الجلوات .
القرآن العظيم لمَن أحسن تأمله يجده يتحدَّث عن قعر النفس الإنسانية ، فهو كما تحدث عن أعلى نُقطة في الوجود لايستطيع احد وقتها الوصول اليها ، تحدث أيضا عن أدنى نُقطة في قعر النفس الإنسانية لا يستطيع احد الوصول اليها .
القران الكريم عندما يفتح الله عليك فتوح العارفين سوف تجده يقرأنا ولا نقرئه ، يقرأ فينا كل التناقضات الوجودية ، يقرأ كل نقاط الكبرياء والضعف والهشاشة ، كل الأحلام والامال ، كل الاطماع والطموحات داخل النفس الإنسانية يُشرِّحها ويُحلِّلها بدقة مُتناهية .
ذلك لانه من الحق وبالحق نزل فهو يتآزر ويتصادق ويتواكد ويتعاضد ، ولا يتكاذب ولا يتعارض ولا يتشاكس، فقد نزل مُتلبِّساً بالحق، وأنار سبيل الحق .
فهو مُتصادِق ، مُتعاضِد ، يشهد بعضه لبعض ، يُصدِّق بعضه بعضا ، يشد بعضه من أزرِ بعض ، يعرف هذا المُسلِم الصادق في تدبر القرآن والعمل به وتمثل ما فيه .
وما دام الحديث موصولاً عن كلام الملك الأجل – جل مجده، ولا تناهى عزه، لا إله إلا هو – فأول ما يجول في خاطرنا سؤال كيف لنا ان يفتح الله علينا بفتوح العارفين ؟
فعلى من أراد تدبر القران العظيم وتذوق حلاوته فليُطهِّر نفسه ، ليبدأ بتطهير نفسه ، بتطهير باطنه ، من دقائق الإثم ، { وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ } ، بعد التطهر والتنزه عن ظاهر الإثم لابد من الاجتهاد ولابد من استفراغ الوسع في التطهر من باطن الإثم، لأن الله – تبارك وتعالى – لا يفتح لعبده ولا يفتح على عبده في كلامه – في فهم ووعي ودرك مرامي ومغازي وأسرار وأعماق كلامه – إلا بقدر طهارته.
فاللهم إنا نسألك الهُدى والتُقى والعفاف والغنى ، اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك ، ومن طاعتك ما تُبلِّغنا به جنتك، ومن اليقين ما تُهوِّن به علينا مصائب الدنيا، ولا تجعل مُصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا. اللهم قدِّس ضمائرنا ، ونزِّه سرائرنا عن شوب الأغيار جميعاً ، برحمتك يا أرحم الراحمين، اغفر لنا ولوالدينا، وللمُسلِمين والمُسلِمات، المُؤمِنين والمُؤمِنات، الأحياء منهم والأموات، بفضلك ورحمتك، إنك سميعٌ قريبٌ مُجيبُ الدعوات.