عاجلمقالات

سفسطائيون ولكن .. بقلم: دعاء نوير

سفسطائيون ولكن .. بقلم: دعاء نوير

سفسطائيون ولكن .. بقلم: دعاء نوير
دعاء نوير

ظهر فى النصف الثانى من القرن الخامس قبل الميلاد فى اليونان مصطلح يسمى السفسطائيون حيث كان يشير إلى مجموعة احتفظت بهذا الاسم لنفسها.

فالمعني الحرفي لكلمة sophos فى اليونانية هو الحكيم ، بينما تحولت الكلمة بعد ذلك وتحول أيضا معناها، فتميز السفسطائيون ببلاغتهم العظيمة فى إنتقاء الكلمات حيث كانوا يوظفون من قبل الأثرياء لتحقيق مصالحهم الشخصية. لذا استخدموا البلاغة للوصول إلى غايتهم. وهى غالباً إقناع الآخرين وإدهاش الجميع ببلاغتهم وحجتهم القوية التى ليس لها أى أساس من الصحة ، ويعتبر بروتاغوراس أول هؤلاء السفسطائين المحترفين.

السفسطائية الثانية

فكانوا يجدون إجابات لكل الأسئلة بدرجة عالية من الإقناع وإبهار الأخرين. ومع أواخر القرن الأول الميلادي ظهرت مصطلح السفسطائية الثانية. ولكن تلك الحركة لم تعني كثيرا بالسياسة بل انشغلت بالحياة اليومية. ولكنهم كانوا يتقاضون الثمن مقابل مهاراتهم فى تزييف ظواهر الأمور مما أدى إلى إحتقار شعبي لممارسي السفسطة والكتابات والأفكار المرتبطة بالسفسطائية.

و لكن بعد مرور عصور كثيرة وقرون مديدة ، تظهر تلك الحركة من جديد. ولكن بصورة مختلفة وبطرق عديدة وكأنها فيروس يتحور. ويعود حتى يجد منفذاً اآخر يدخل منه إلى جسم المجتمع من جديد .
فنجد أباء. وأمهات يقبلون على تزويج بناتهم عرفياً لأنهم مازالوا تحت السن القانوني المصرح به وبكل أسف انتشرت تلك الظاهرة مؤخراً. وخاصة في مناطق الصعيد والقرى. وذلك بحجة أن زواج البنت (سترة ) فيزيفون الحقائق بكل بلاغة مع إقناعهم أنهم بذلك يبنون المجتمع ويقومون الأجيال الجديدة. ولم يعرفوا أنهم بذلك يرتكبون جريمة من أبشع الجرائم فيقضون على براءة طفلة. وحياة إمرأة لم تتكون بعد سواء فسيولوجياً أو نفسياً. بل أخذوها وألقوا بها فى بحر الحياة دون قارب نجاة ودون إستطاعة منها على العوم.

انهيار طفلة نفسياً

فتجد نفسها تلك الطفلة مسؤلة عن بيت وزوج وأسرة دون قدرتها على استيعاب ذلك، فتنهار نفسياً وتفقد إهتمامها ورغبتها فى الحياة. وكثيراً ما يحدث الطلاق بعد أن تكبر قليلا لأنها لم تعد قادرة على تحمل تلك الأعباء فقد استنفذت كل طاقتها وللأسف هناك 40% من إجمالي الزيجات سنويا ًلمن هن دون 18 عاماً. وجدوا أن العلاقات القهرية تؤدى ببعضهن إلى الإنتحار أو الطلاق. فطبقاً للإحصائيات الرسمية للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء. قرابة 117 ألف حالة زواج تحت سن 18 عاماً سنوياً دون أى اوراق ثبوتية تشكل 40% من إجمالي الزواج فى مصر.

سفسطائيون ولكن .. بقلم: دعاء نوير
ارشيفية

مما أهدر حقوق الفتيات وقتل طفولتهن بمشكلات صحية ونفسية.
ورغم تجريم القانون المصري لهذا فقد يكون الفقر واحداً من أسباب زواج الأطفال لرغبة أهلهن فى تحسين أوضاعهم المالية عبر الفتاة. وقد يرغب الرجل بالزواج من فتاة صغيرة لسهولة السيطرة عليها منذ نعومة أظافرها. وقد تهتم بعض القبائل بذلك حتى لا يختلط نسب العائلة بعائلات أخرى.
ويحضرني فى ذلك قصة لإمرأة كادحة تعمل فى أحد المصالح الحكومية قابلتها بحكم عملي كمقدمة بإحدى البرامج وهى على قدر كبير من الجمال فسألتها هل عندك أولاد؟ فأجابت “أم حمادة”: عندى أحفاد .

و كما اندهشت كثيرا وتعجبت فقالت لي (تزوجت وانا فى الحادية عشر وشلت المسؤلية من بدري) ولكن فى تلك اللحظة وجدت في عينيها الكثير والكثير من عبارات الألم. وقد امتلأت عينيها بالدموع وقالت ( كنت بسيب بيتي وأجري ألعب مع العيال فى الشارع وأما حماتي أو حمايا يشوفوني يزعقولى)
قطعاً إنها الطفولة، لقد قضوا على براءة طفلة تريد الجري واللعب مع الأطفال. وحولوها إلى زوجة مطالب منها الكثير والكثير حتى تقيم بيت ناجح .
وأكملت (تزوجت بدرى وأطلقت بدري وبقيت مسؤلة عن 3 عيال. وأنا لوحدي نزلت واشتغلت ومفكرتش أتجوز تاني عشان أولادي. وعشان أنا خلاص كرهت الزواج)

سفسطائيون ولكن .. بقلم: دعاء نوير
أرشيفية

و هنا تكمن المشكلة تحول الطفلة إلى إمرأة فى غمضة عين دون الإعتبار بمشاعرها ، فتتحول الحياة الزوجية إلى مأساة ، فى حين إقتناع الأباء والأمهات بما فعلوه وأنه يصب فى مصلحة بناتهن ولكن هيهات هيهات.
فكفانا سفسطة أيها الوالدين، كفانا تزييفاً للحقائق حتى تتملصوا من مسؤلياتكم وتتركوها على عاهل طفلة لا تستطيع تحمل أعباء الحياة. ومسئولياتها .
دعوها تستمتع بطفولتها وبرائتها وأيضاً تكمل تعليمها. حتى ينتج المجتمع جيلاً آخر معافاً قادراً على العطاء والابداع.

زر الذهاب إلى الأعلى