مقالات

صاحب الشَرِطة السوداء.. وشَرِطات الأصدقاء

صاحب الشَرِطة السوداء.. وشَرِطات الأصدقاء

صاحب الشَرِطة السوداء.. وشَرِطات الأصدقاء
أرشيفية

كتب / شريف محمد

هكذا استقرت للحضارة العربية قواعدها ؛ (صاحِبُ الشَرِطة السوداء )، يجول بين الأسواق ، يختلفُ إلى الطرقات ليلاً ، مُحتَذٍ حَذو ( عمر بن الخطّاب ) الذي كان يَعسُّ ليلاً مُتفقِّداً الرَعِية ، زاجراً لكلِ مُخالف .

.. وتتوالى عصور الحضارة العربية والإسلامية، وتكبر معها مكانة ( صَاحِب الشَرِطة) ، فأقوى عصور الدولة الإسلامية ( العصر الأموي) ، شَهِد أسماءً لأصحاب ( شَرِطة ) يُشارُ إليهم بالبَنَان ؛
..واللافت للنظر أن هذا العصر وأوائل العصر التالي له مباشرةً كان عصر الأئمةِ أيضاً ، الذين أختلفوا مع ( صاحب الشَرِطة ) ، لكنه خِلافُ أداء ، وليس خلاف استفتاء .
فعلى مرِّ عصور الأئمة الكِبار تجدهم منتقدين (لصاحِب الشَرِطة) ، لا لأنه: كيف يُنفِّذ ما فرضه الشرع والقانون ،و لكن اختلفوا معهُ : في كيف يُنفِذ إرادة الحاكم ؛ فالخِلافُ خِلافُ( إنفاذٍ) لا خِلافُ (تنفيذ) ، بل إنّ الكثيرَ من الأئمةِ كانت تربطهم بأصحاب( الشَرِطة) علاقاتٍ بين المودة والفتُور ، حتى وهؤلاء الأئمة حبيسي سجونهم .

..أمّا المُنتقدون الآن فيقارنون ( أشرِطتنا ) بأصحاب( الشَرِطة ).. في بلادٍ تنوّعت فيها مَشارِبُ البشر ، وتعددت أطيافهم، فيكون دور الشرطة ، إقرار النظام ، وحفظ الهدوء في الشارع ، وهو أمرٌ وإن جاز تسميته بحقٍ أصيلٍ لكل إنسانٍ في وطنه ، لكنه مُرتبط بحضارة وسلوكيات تلك الشعوب ، واتفاقهم على دور محدد ( لِشَرِطَتهم )، يفرقه عن نظرتنا نحن – العرب والشرقيين- ( لِشَرِطَتِنا ) ، ولأصولها الضاربة في التاريخ بين ( شَرِطة)( قيس بن سعد ) في زمن سَيدِنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم – ، ثم ( شَرِطة) ( الفاروق عمر بن الخطّاب ) ، وهم من صحابة رسولنا الكريم ،
وأصحاب ( شَرِطة) العصر الأموي مثل ( زيادِ بن أبيه ) الذي كان له ما له ، وعليه ما عليه ، حيث اقترن اسمه بإخماد ثوراتٍ تَزعَّمها أبناء صحابة رسول الله، والتابعين- رضي الله عنهم جميعاً – .
فلهذهِ المهنة في تاريخنا ونفوسنا وحضاراتنا جذور ممتدة ، ارتبطت بأسماء الصالحين والدعوات لهم ، والطالحين ولعنات الله تعالى عليهم ، فلا مُقارنة بيننا وغيرنا في ذلك الشأن الداخلي .
لكن وليعلم ( أصحاب الشَرِطة ) في أوطاننا العربية ، إنما سُميت ( الشَرِطة ) بذلك الاسم نسبةً( لشَرِيطة من القماش الأسود ) كان يربطها ( صاحب الشَرِطةِ ) حول ذراعهِ ، فتَفرقهُ وتُمَيّزُهُ عن غَيرِهِ مِن العَامة ، فإذا ما فَكَّها فهو واحدٌ من الناس ، وذلك قبل ابتكار الملابس الخاصة لهم ، وَ مضت ( الشَرِطة ) وبقي الاسم ، شاهداً على قُرب الصِلة بين الشُرطَة والناس ، وعظيم الصلة بينهم وبين الله تعالى، المُحاسِب الوحيد لهم ولنا ، في يومٍ لا ( شَرِطة ) فيه إلا ( صِراطه المستقيم ) لمن جاءهُ بقلبٍ سليم.
….( وكل سنة و إنتَ طيب يا باشا..)

مايسة عبد الحميد

نائب رئيس مجلس إدارة الموقع
شاهد ايضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى