مقالات

لا تؤذوا عكرمة! 

لا تؤذوا عكرمة! 

لا تؤذوا عكرمة! 
ارشيفية

كتب/ د. محمد كامل الباز

مما لا شك فيه أن مراعاة مشاعر الغير أصبحت عملةً نادرة الوجود الآن، أن يؤذيك أحدهم بكلمةٍ أو نظرةٍ أو تلميحٍ، بات منتشرًا بين معظم العلاقات من أبعدها حتى أقربها، فنجد زملاء العمل عادةً يتنمرون ويتلامزون بعضهم البعض، نجد الأصدقاء فيما بينهم، بل الأشقاء وأحيانًا الأزواج، هذا الزوج يتعمّد مضايقة زوجته بالكلام، وهذه الزوجة تداوم إغضاب زوجها، علاقات مضطربة وبنية اجتماعية هشّة تحتاج لإعادة بناءٍ وترميم. 

بالتأكيد لن نجد طريقة لدعم هذا البناء وترميم هذه العلاقات أفضل من منهج المصطفى صلى الله عليه وسلم، الذي رسم لنا من خلال حياته أفضل الخُلُق وأجّل الصفات.

نعم كانت حياته دائمًا مصباحًا ينير لنا كل شىء، ما ضاقت حياتنا وانتشرت بها كل تلك الصفات الذميمة إلا بسبب البعد عن هذا المصباح والاختباء عن نوره الوهّاج. بالطبع كي أتكلم عن حسن خلُق المصطفى وكرم أخلاقه ومراعاته لشعور الآخرين لن يسع ذلك مجرد مقال واحد بل علينا كتابة عشرات أو مئات المقالات، لذا سأذكر فقط موقفًا من كرم أخلاق خاتم النبيين وسيد الخلق عامةً.

بعد دخول الرسول صلى الله عليه وسلم مكة فاتحًا، بدأ الناس يتوافدون عليه كي يعلنوا إسلامهم، ممن تشفع له زوجته كان عكرمة بن أبي جهل الذي استأذن للدخول بين يدي المصطفى يعلن إسلامه، قبل دخول عكرمة أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم يوصي الصحابة.

ولكن!! ما هي تلك الوصية التي أخذ يؤكد عليها الرسول وهو قائد المسلمين جميعًا، هو الفاتح المنتصر الذي دانت له الآن أهم فصائل الجزيرة العربية وقلبها النابض، بماذا أوصى المصطفى أصحابه قبل دخول عكرمة؟!

وقد عانى الأمرَّيْن منه فى الماضي ولم يمضي أصلًا عما فعله فى نقض الهدنة مع قبيلة خزاعة إلا فترةً قليلةً والتي بسببها فُتحت مكة.

هل سيوصي صحابته الذين يؤتمرون بأمره أن يلوموا عكرمة عما كان منه؟

هل سيوصيهم أن يذّكروه بما فعل مع المسلمين سابقًا؟ 

هل سيتم فتح ملف الماضي قبل الدخول في الإسلام؟  

لا والله لم يحدث ذلك، هذا يحدث من أي أحدٍ إلا أكرم الخلق وأبرّهم، فقد قال لهم بالنص: “سيدخل عليكم الآن عكرمة مسلمًا، فلا تذكروا أباه بسوء”

والله هذه الرواية إن لم تكن فى أدق درجات الصحة لما صدّقتُ، أي طراز من البشر كان محمدًا، وأى أخلاقٍ كانت عند هذا الرجل؟!

لقد تعدى الأمر مرحلة العفو عن عكرمة بل وصلت أن يطلب من أصحابه عدم ذكر أباه بسوءٍ أمامه مراعاةً لشعوره!!  

من هو أباه؟ هو أبو جهل 

فرعون الأمة وأحد أكبر طغاتها. 

هو من عذَّب المسلمين أشد العذاب فى الماضي بما فيهم المصطفى نفسه، هو من أشد صناديد قريش حقدًا وغلًا على المسلمين، هو من مات على كفره وحربه للإسلام في بدرٍ. 

ولكن مع كل هذا يرفض ذو الخلُق الكريم إيذاء وافدٍ جديدٍ لدين الإسلام في أبيه.

 مع كل هذا يتناسى المصطفى كل ما فعله هذا الهالك من أجل شعور ابنه والمحافظة على حالته النفسية، لم يجعل الأمر متروكٌ للصحابة حتى يتكلموا عن كفر أبيه، فعكرمة مازال حديث عهدٍ بالإسلام ولا يعرف قواعده ولكن قال لهم قولًا واحدًا هو والله أفضل من كل محاضرات التنمية البشرية ودورات علم النفس، قولًا يجب أن يُدرّس في منظمات حقوق الإنسان ويوضع على لافتات الأمم المتحدة التي تدّعي الإنسانية والمثالية وذلك حين قال: 

“سيدخل عليكم عكرمة الأن مسلمًا فلا تؤذوه في أبيه”

 

 

نهى مرسي

نائب رئيس تحرير الموقع
زر الذهاب إلى الأعلى