لا كان شيطانا ولا أخرس.. بقلم الكاتب الصحفي والناقد السينمائي: أشرف غريب
عام مضى على رحيل الرجل الذى ظل طيلة حياته يبحث فى أعماله عن قيمتين هما الأهم – فى رأيى- لإرساء السلام بين البشر جميعا: العدل والحرية، وكان مستعدا من أجل الدفاع عنهما للذهاب بعيدا فى مواجهاته مع كل من حاول تقويض وجهة نظره أو تقييد رأيه الشخصى، هكذا كان فى طائر الليل الحزين والغول والبريء وملف فى الآداب والتخشيبة واللعب مع الكبار والإرهابى وطيور الظلام ودم العزال وغيرها.
عام مضى على رحيل الرجل الذى امتلك الشجاعة أكثر من غيره وهو يقتحم فى ” العائلة ” أو ” أوان الورد ” أشد المناطق حساسية وأكثرها تلغيما , ومع ذلك كان دائما جريئا فى طرحه , صلبا فى الدفاع عن رأيه , ومستعدا للوصول به إلى آخر مداه مهما كلفه ذلك من عناء.
عام مضى على رحيل الرجل الذى بقى مستمسكا بحق كل مواطن فى الحفاظ على كرامته الإنسانية مناديا فى أعماله بهذا الحق الأصيل كما فى المنسى والنوم فى العسل وآخر الرجال المحترمين والدنيا على جناح يمامة.
عام مضى على رحيل الرجل الذى دائما ما كان يبهرنا وهو يلقى بالحجر , ثم يترك تلك الدوائر تتسع وتضعف حتى تتلاشى مع الوقت ويبقى عمله الفنى راسخا وقائما أمام محكمة التاريخ , أو يقذف بكرة الثلج من أعلى , فتأخذ فى طريقها نحو المنحدر شوائب اللغو والمزايدات الرخيصة ويبقى هو بمصنفه الإبداعى فوق القمة يجهز العدة لمعركته القادمة.
عام مضى على رحيل الرجل الذى رفض أن نصبح جميعا دراويش وببغاوات لا نترك فى عقولنا مساحة للاختلاف أو حتى الاجتهاد، كل شىء عنده كان قابلا للنقاش والمراجعة إلا المبادئ والمسلمات، ولذلك كثيرا ما كان يقول ما لا يحب أن يسمعه الآخرون مع إدراكه المسبق لحجم النيران التى سوف تصوب نحوه من كل اتجاه، وحسبه ما لاقاه من هجوم بسبب ما ذكره فى مسلسل الجماعة من أول فضح فكر الجماعة الإرهابية ورموزها المعروفين ، مرورا بمشهد تقبيل النحاس باشا ليد الملك فاروق ووصولا إلى التأكيد على أن الرئيس عبد الناصر كان عضوا فى جماعة الإخوان المسلمين وأنه كان فى مرحلة ما يجل سيد قطب مفتى الجماعة ومنظر فكرها الإرهابى، ويومها لم يسلم الرجل من اتهامات الجهل والتخوين بل والتكفير لأنه فضح من يتدثرون برداء الدين، أو تجرأ واقترب من الذات العلية الناصرية أو مس كبرياء الذات الوفدية المصونة رغم أن هذه المصادرة الفكرية لا يقبلها أى ليبرالى حقيقى لا يتستر وراء عبارات جوفاء أو مزايدات عرجاء .
عام مضى على رحيل الرجل الذى تجاوز دوره حدود إبداعه ليخوض معاركه العامة دفاعا عما يراه صائبا حتى وهو فى أخريات أيامه تطارده أزماته المرضية ليعلمنا أن الساكت عن الحق شيطان أخرس , وهو – ويشهد الله – ما كان يوما لا شيطانا ولا أخرس .. ويعلمنا أن المعارك الكبيرة لا بد لها من قامات كبيرة , وهو – إحقاقا للحق – الكبير فى القيمة والقامة والمعارك التى خاضها طيلة حياته .. ويلقننا الدرس بأنه لا تقدم العمر ولا محنة المرض يمكن ان يمنع الباحث عن الحقيقة من الدخول فى معركة جديدة يعرف مسبقا قوة خصومه وأذرعها الطائلة.
عام مضى على رحيل وحيد حامد اكثر من أحس بأوجاع هذا الشعب البسيط وعبر عنها، فهو من قال : أنا المسكين فى هذا الزمان، أنا المحاط بالأوهام، أنا الذى إذا جاع نام.