لماذا نهى الدين عن التجسس ونشر فضائح الناس؟
تحقيق: العارف بالله طلعت
التجسس الغير مشروع المحرم فهو ما يقصد به تتبع عورات الناس وأسرارهم والكشف عن معائبهم بدافع الفضول وإشباع غريزة حب الاستطلاع دون أن يكون له غرض مباح من جلب منفعة راجحة أو دفع مفسدة متوقعة سواء أكان ذلك بالتطلع أو التنصت والاستماع وذلك مثل التجسس لصالح العدو ومثل التجسس المؤدى لتتبع العورات والاطلاع عليها وهتك الأستار وما نراه ونشاهده بأعيننا ونلمسه من تردى الأخلاق فى المجتمع وانتشار الفواحش والمجاهرة بالمعاصى كرد فعل طبيعى لنشر الرزائل وتداولها عبر وسائل الإعلام هو خير دليل على ما نقول وندعو إليه من إعمال مبدأ الستر على أصحاب الذنوب. وفى أطار هذا الموضوع كان لنا التحقيق التالى:
فى البداية تقول الدكتورة إلهام شاهين مساعد الأمين العام لشؤون الواعظات: التجسس لغة مأخوذ من الجَس: وهو جَس الخبر ومعناه: بحث عنه وفحص ويعنى التفتيش عن بواطن الأمور والتجسس اصطلاحا : البحث عن العورات والمعايب وكشف ما ستره الناس وقد يعتقد البعض أن التجسس أمر محرم على إطلاقه عملا بنص الآية الكريمة ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيم” (الحجرات: )12 إلا أن التجسس الأصل فيه التحريم إلا أن منه المشروع المباح ومنه الغير مشروع اى المحرم
وقاية المجتمع
وأشارت د. إلهام قائلة : فالمشروع المباح منه ما يراد به كل تجسس يهدف إلى مصلحة الدولة الإسلامية في تعاملها مع أعدائها أو تطهيره المجتمعات من أهل الشرِّ والفساد وملاحقتهم والتضييق عليهم. وهذا القسم من أقسام التجسس يتفاوت حكمه التكليفي من الوجوب إلى الإباحة حسب ما تقتضيه المصلحة والضرورة فالواجب منه مثل تجسس الدولة على الأفراد والجماعات لمعرفة طاقاتهم للإستفادة منهم ومثل تجسس على أهل الريب والمجرمين وتعقبهم لوقاية المجتمع من شرورهم والتجسس على العدو لمعرفة قدراته وإمكانياته للإستعداد بما يواجهها ويؤمن حال الدولة والمجتمع والمباح منه مثل التجسس من قبل الأجهزة الأمنية والمخابراتية لمعرفة أحوال الرعية وردود أفعالهم على المواقف المختلفة أما التجسس الغير مشروع المحرم فهو ما يُقصد به تتبع عورات الناس وأسرارهم، والكشف عن معائبهم؛ بدافع الفضول وإشباع غريزة حبِّ الاستطلاع، دون أن يكون له غرض مباح؛ من جلب منفعة راجحة، أو دفع مفسدة متوقعة، سواء أكان ذلك بالتطلُّع، أو التنصت والاستماع وذلك مثل التجسس لصالح العدو ومثل التجسس المؤدى لتتبع العورات والاطلاع عليها وهتك الأستار ولذا قال ابن جرير وهو يتحدث عن تفسير قوله: وَلا تَجَسَّسُوا يقول: (ولا يتتبع بعضكم عورة بعض، ولا يبحث عن سرائره، يبتغي بذلك الظهور على عيوبه، ولكن اقنعوا بما ظهر لكم من أمره، وبه فاحمدوا أو ذموا، لا على ما لا تعلمونه من سرائره …). ثم ذكر أثر ابن عباس: (نهى الله المؤمن من أن يتتبع عورات المؤمن) وأكثر ما يهمنا الآن هو التجسس الاجتماعى المنهى عنه والذى انتشر بصورة كبيرة الآن لأنه فيه تتبع لعورات الناس فهو فى ذاته أذى . أي إيذاء أكبر من تتبع عورات الناس، والبحث عن سوءاتهم، والتجسس عليهم، وإظهار ما ستره الله من ذنوبهم. فالتجسس يتأذى به المتجَسس عليه، ويؤدي إلى البغضاء والعداوة كما أنَّه مفسد للأخوة، وسبب في تقطيع الأواصر والصلات، وسبيل إلى إفساد الناس وعن عقوبة المتجسس على الناس المتتبع لعوراتهم يقول الرسول ” (من استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون، أو يفرون منه، صُبَّ في أذنه الآنك يوم القيامة) هذا لو تتبع وتجسس دون أن يفضح ويتحدث فإذا تحدث بما علمه من عوراتهم وفضحهم فإن الله تعالى يفضحه فى الدنيا بكشف عوراته ويفضحه يوم القيامة إذا مات بلا توبة بكشف مساوئه التى كان يخفيها فى الدنيا وذلك بنص الحديث (يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من اتبع عوراتهم يتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته)
الأذى النفسى
وأضافت د. إلهام :من أسوأ ما نراه منتشرا الآن هو أن يكون قسم من العمل الإعلامى التجسس على المشاهير وتتبع عوراتهم وتصيد الأخطاء لهم لنشرها والتكسب من خلال ذلك وقد قال رسول الله مَنْ أَشَادَ عَلَى مُسْلِمٍ عَوْرَةً , يَشِينُهُ بِهَا بِغَيْرِ حَقٍّ , شَانَهُ اللَّهُ بِهَا فِي الْحَقِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ” . قَوْلُهُ : ” أَشَادَ ” يَعْنِي : رَفَعَ ذِكْرَهُ بِهَا ، وَنَوَّهَ بِهِ أما لماذا نهى الدين عن التجسس ونشر فضائح الناس لأن لذلك تداعيات كثير على الشخص نفسه وعلى المجتمع فأول تلك التداعيات هى على صاحب الذنب نفسه فإنه قد يتجرأ أكثر على الذنب بعد أن علمه الناس عنه واجترائه على فعله علانية بعد ان كان سرا يبعده أكثر عن طريق العودة من الذنب والرجوع غلى الله بالتوبة خاصة بعد أن سقطت هيبته واحترامه بين الناس وثانى تلك التداعيات على أهله وولده وعشيرته فكل هؤلاء يصيبهم الأذى النفسى والمعنوى وربما التعدى عليهم من الآخرين قولا وفعلا بذنب لم يرتكبوه وعمل سوء ليس لهم يد فيه والله تعالى يقول ” وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ” وثالث تلك التداعيات سقوط هيبة الإسلام والمسلمين فى أعين غير المسلمين وإعراضهم عن الدخول في الدين إذا علموا أن المسلمين يبطنون غير ما يظهرون من معتقدات وأنهم غير ملتزمين بدينهم وبما يدعو إليه الإسلام أما رابع تلك التداعيات فهى على المجتمع المسلم ككل وما يلحق بالمجتمع من التهاون فى فعل المعاصى والتجروء عليها وتقليد العصاة فى فعلها بل والمجاهرة بها وما نراه ونشاهده بأعيننا ونلمسه من تردى الأخلاق فى المجتمع وانتشار الفواحش والمجاهرة بالمعاصى كرد فعل طبيعى لنشر الرزائل وتداولها عبر وسائل الإعلام هو خير دليل على ما نقول وندعو إليه من إعمال مبدأ الستر على أصحاب الذنوب
الفعل المشين
وأوضح الدكتور موسى أباظة الرئيس العام للمجلس الدولي للعالم الإسلامي: التجسس خلق ذميم لايفعله إلا ضعاف الإيمان وهو من أخلاق اليهود والنصارى والمنافقين وليس من سمات الصالحين .
نهى الله تبارك وتعالى عباده المؤمنين عن التجسس في آية محكمة وصريحة تدل على حرمة هذا الفعل المشين والخصلة المذمومة فقال تبارك وتعالى :(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ) (الحجرات: 12 )
قال ابن جرير وهو يتحدث عن تفسير هذه الآية: قوله: (ولا تجسسوا) يقول: ولا يتتبع بعضكم عورة بعض، ولا يبحث عن سرائره، يبتغي بذلك الظهور على عيوبه، ولكن اقنعوا بما ظهر لكم من أمره وبه فاحمدوا أو ذموا، لا على ما لا تعلمونه من سرائره ..
ثم ذكر أثر ابن عباس: نهى الله المؤمن من أن يتتبع عورات المؤمن) رواه الطبري في تفسيره)
وقال الإمام البغوي: نهى الله تعالى عن البحث عن المستور من أمور الناس وتتبع عوراتهم حتى لا يظهر على ما ستره الله منها) (تفسير البغوي) ومن ذلك قول الله تعالى:(وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا )الأحزاب: 58 ].قال الشيخ ابن عثيمين: التجسس أذية، يتأذى به المتجسس عليه، ويؤدي إلى البغضاء والعداوة ويؤدي إلى تكليف الإنسان نفسه ما لم يلزمه، فإنك تجد المتجسس والعياذ بالله، مرة هنا ومرة هنا، ومرة هنا، ومرة ينظر إلى هذا ومرة ينظر إلى هذا، فقد أتعب نفسه في أذية عباد الله) شرح رياض الصالحين) لابن عثيمين
قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: التجسس أن لا تترك عباد الله تحت سترها فتتوصل إلى الاطلاع عليهم والتجسس عن أحوالهم وهتك الستر حتى ينكشف لك ما كان مستورا عنك) (بريقة محمودية في شرح طريقة محمدية وشريعة نبوية) لمحمد بن محمد الخادمي
كبائر الذنوب
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ولا تحسسوا ولا تجسسوا ولا تنافسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخواناً) رواه البخاري ومسلم )
وعن أبي برزة الأسلمي -رضي الله عنه-: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم :يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من اتبع عوراتهم يتَبّع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته)
رواه أبو داود وأحمد وأبو يعلى والبيهقي والحديث سكت عنه أبو داود، وقال العراقي في (تخريج الإحياء): إسناده جيد وقال الألباني: حسن صحيح.
قال صاحب عون المعبود: (يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه): فيه تنبيه على أن غيبة المسلم من شعار المنافق لا المؤمن، (ولا تتبعوا عوراتهم): أي لا تجسسوا عيوبهم ومساويهم…. (يتبع الله عورته): ذكره على سبيل المشاكلة أي يكشف عيوبه وهذا في الآخرة . وقيل: معناه يجازيه بسوء صنيعه (يفضحه): أي يكشف مساويه، (في بيته): أي ولو كان في بيته مخفياً من الناس) (عون المعبود شرح سنن أبي داود)
وعن معاوية رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم) . فقال أبو الدرداء: كلمة سمعها معاوية من رسول الله صلى الله عليه وسلم نفعه الله تعالى بها) رواه أبو داود وأبو يعلى وابن حبان والطبراني والبيهقي في (شعب الإيمان). والحديث سكت عنه أبو داود، وصححه النووي في (تحقيق رياض الصالحين) (وصحح إسناده ابن مفلح في (الآداب الشرعية) وصححه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)
هتك عرض
وفي رواية أخرى عن معاوية رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أعرضوا عن الناس، ألم تر أنك إن ابتغيت الريبة في الناس أفسدتهم، أو كدت تفسدهم) رواه البخاري في (الأدب المفرد) والطبراني قال الألباني في (صحيح الأدب المفرد) صحيح. .
قال الإمام المناوي رحمه الله: (أي ولوا عن الناس ولا تتبعوا أحوالهم ولا تبحثوا عن عوراتهم… ألم تعلم أنك إن اتبعت التهمة فيهم لتعلمها وتظهرها أوقعتهم في الفساد أو قاربت أن تفسدهم لوقوع بعضهم في بعض بنحو غيبة أو لحصول تهمة لا أصل لها أو هتك عرض ذوي الهيئات المأمور بإقالة عثراتهم وقد يترتب على التفتيش من المفاسد ما يربو على تلك المفسدة التي يراد إزالتها، والحاصل أن الشارع ناظر إلى الستر مهما أمكن والخطاب لولاة الأمور ومن في معناهم) (فيض القدير شرح الجامع الصغير)) للمناوي .وعن ابن عباس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: من استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون صب في أذنه الآنك يوم القيامة، ومن أرى عينيه في المنام ما لم ير كلف أن يعقد شعيرة)رواه الطبراني
قد اعتبر العلماء التجسس المحرم على المسلمين من كبائر الذنوب قال ابن حجر الهيتمي المكي معلقاً على قوله تعالى:{ وَلا تَجَسَّسُوا }: [وعلى كلٍ ففي الآية النهي الأكيد عن البحث عن أمور الناس المستورة وتتبع عوراتهم] الزواجر عن اقتراف الكبائر
معايب الناس
مشيرا إلى أن :مما يحرم شرعاً في هذا الباب أن يتجسس الزوج على زوجته أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يطرق الرجل أهله طُروقاً – قال أهل اللغة الطُروق بالضم المجيء بالليل من سفرٍ أو من غيره على غفلة – وقد بوبَّ الإمام البخاري في صحيحه “باب لا يطرق أهله ليلاً إذا أطال الغيبة مخافة أن يتخونهم أو يلتمس عثراتهم”، ثم روى بإسناده عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أطال أحدكم الغيبة فلا يطرق أهله ليلاً ، وفي رواية عند مسلم عن جابر قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطرق الرجل أهله ليلاً يتخونهم أو يلتمس عثراتهم.
قال الإمام الشوكاني:[قوله (يتخونهم أو يطلب عثراتهم)… والتخون أن يظن وقوع الخيانة له من أهله، وعثراتهم بفتح المهملة والمثلثة جمع عثرة: وهي الزلة. ووقع في حديث جابر عند أحمد والترمذي بلفظ: (لا تلجوا على المغيبات فإن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم )
وأما تبرير الزوج بأنه يتجسس على زوجته من باب الغيرة، فهذه الغيرة مذمومة، وقد ورد في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قالإن من الغيرة ما يحب الله ومنها ما يبغض الله، فأما الغيرة التي يحبها الله فالغيرة في الريبة، وأما الغيرة التي يبغضها الله فالغيرة في غير الريبة) رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن حبان وحسنه العلامة الألباني في صحيح الجامع
قال الشيخ” محمد بن صالح العثيمين” – رحمه الله -في تفسير سورة الحجرات:{ولا تجسسوا } التجسس طلب المعايب من الغير أي أن الإنسان ينظر ويتصنت ويتسمع لعله يسمع شرًّا من أخيه، أو لعله ينظر سوءاً من أخيه، والذي ينبغي للإنسان أن يعرض عن معايب الناس، وأن لا يحرص على الاطلاع عليها.
ولهذا روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – أنه قال – عليه الصلاة والسلام -: لا يخبرني أحد عن أحد شيئاً، «يعني شيئاً مما يوجب ظن السوء به «فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر(أخرجه أبو داود )