من أيام” طه حسين” وحتى “أيامنا الحلوة”

كتب / شريف محمد
في كتاب ‘ الأيام’ للأديب الكبير ” طه حسين ” تسجيل لواقعهِ طفلاً ، وشاباً ، وعلى مشارف اكتمال الرجولة، في صراحةٍ لا يقدر عليها غير الواثقين ؛ فعرضَ في الباب الأول من قصة حياته في عدد من الفصول واقعَهُ الذي عَاناه في صِباه ، عَارِضاً مالهُ وماعليه ؛ فكان من أجمل ما حكى عن آثامِ الصِبا انطلاق لسانه بالسوء، والسخرية من شيخهِ في( الكُتّاب)، و(العرّيف)، وكيف نقلَ حديثهُ لشيخهِ مَن ظنّهم أصدقاءَهُ؛ ثم نَدِم على فِعلهِ ذلك ، خاصةً بعد اضطراره العودة إليه لتأكيد إتمام الحفظ للقرآن الكريم قبل رحيلهِ للدراسة في الأزهر، وكيف نَدِم على ذلك وتعلّم درساً في صِغرِهِ من أهم دروس الحياة.
..وللأسف لازالت الأجيال الصغيرة من براعمنا الناشئة يقعون في نفس الإثم ؛ فيتحدّثُ الواحد منهم الآن عن زميلهِ والذي يَدَّعي صداقتهُ لهُ بالسُخريةوالاستهزاء ، وقد يصلُ الأمر للخوض في عِرضهِ بما لايليق ، وبما ترفضهُ الأديان السماوية ، والعقول المُجتمعية ، ثم التبجُّح بلا خجلٍ أو ندم عندما يعرف المُستهزَىء به ويواجِه الذي استهزىء به بدلاً من أن يذوب لحم وجهِهِ من قُبحِ ما فعل ؛ ولكنها البشرية التي تتعلّم العلوم الصِعاب ، لكن لا تتعلم من أخطائِها الاجتماعية ؛ فلاتزال ناشئة هذا الجيل تنطلق ألسنتَهم بالشر والانتقاص من بعضهم أو من أحدهم في غيبته ، وكأنّ الغيبةوالنميمة ، والحديث بلا فائدة عن الكبير والصغير ، والقريب والبعيد (مُوضَة ) هذا العصر ، الذي أطلق منصات( الكوميديا) لشباب يسخرون بلا هدف من كلّ صديق أو عزيز أو كبير ، ليقوى الاتجاه إلى النَمّ ، والانتقاص ، والسخرية ، وفضح العيوب.
..فما ذكره “طه حسين” بالندم في قصة حياته طفلا ، يقوم به الصغار والكبار من شباب هذا الجيل بسفور وتمادٍ ،
..وما حكاه ” طه حسين ” من باب النصح للقارئين ،
و تدارك الخطأ ، يحكيه شباب هذا الجيل بفخر ، وتبجُّح ، واستعراض لوقاحة وصفاقة تدمر كل روابط الصداقة، والمَودة ، بل وسيأتي اليوم الذي تهدم فيه المجتمع جهالة المتحدثين بالنميمة ، والهمَّازين ، واللمّازين .
وإذا كان” طه حسين ” أقرّ بذنبهِ في كتابه ‘الأيام’ ، فإنهُ بذلكَ قدّمَ لنا العلاج لإنفلات اللسان بالغيبة والنميمة ، وهو الاعتراف بالخطأ ، والإقلاع عن للذنب ؛ وهذا دورُنا نحن الكبار ، أن نكون القدوة فلا نُطلق ألسنتنا بالنميمة أمام الصغار ، وأن نزجُرَ النَشءَ إذا ما سمِعناهم يتحدثون بالسوءِ عن غيرهم ، مُجاهرين بالفُحش والقُبح ، في الأماكن العامة والطُرُقات والنوادي ؛ فلا نسمح بالسبّ والشتائم أن تكون أسلوب الحياة العصرية ، ولا ندع لجماعة من الرُعنَاء ، الغوغاء ، الدهماء ، ينشرون ثقافتهم ، وقاذوراتهم السمعية والبصرية دون خجل .
فإذا كان خطأ اللسان في الطفولة الساذجة في كتاب ‘ الأيام’ ، أَوجَب الاعتذار في الكِبَر ،
فإنّهُ في ‘ أيامنا ‘ هذهِ أخطاء إنفلات ألسنة أبنائنا تستلزم منا الوقوف معاً في وجه البغضاء والجحود والكراهية المنطلقة من أفواه هذا الجيل .
” لا تحسبَنَّ العِلمَ ينفعُ وحدهُ
….ما لم يُتوّج ربُّهُ بِخَلاقِ “.