مقالات

ياليتهم تعلموا من تاريخنا…

ياليتهم تعلموا من تاريخنا…

ياليتهم تعلموا من تاريخنا...

كتب / د. محمد كامل الباز

عند الدخول لمعترك النقاش مع أي من المتنورين المتمدنين يبدأ دائماً الشخص المتنور في إلقاء التهم على التراث والعصور الماضية بأنها رجعية جامدة لاتناسب عصرنا هذا، حُقب من الظلام كان يحدث فيها كذا وكذا، كيف لعالم قد صعد إلي القمر ( ومازال الكلام للمتنورين) أن يتعلم من أناس كانوا يستقطنوا الصحاري وما حولها، كيف لعصر العلم والتكنولوجيا أن يقف يتعلم من عصر الإبل والسيف … إلخ، دائماً ما تكون لغتهم مشتركة وكلامهم واحد، تتشابه دائماً التورهات والإسقاطات التي سئمنا منها، كلام مكرر يفتقد دائماً للموضوعية والتحليل العلمي فعندما تذكر لهم أمثلة من فشل العالم وسوء إدارته فى هذا العصر الحديث، يتهرب وينكر، عندما تذكر له مآسي الناس وعدد القتلي في الحرب العالمية الأولى والثانية داخل هذا الإطار المتحضر، يجاوب بأن ذلك كان قديمًا قبل تأسيس النظام العالمي الجديد الذي يدير العالم بتقنية شديدة!! 

لكن يا صديقي المتنور أنا اليوم لن اذهب بك إلي الماضي القريب كي أدلل علي فشل العالم وتأخره، لن آتي لك بحرب البوسنة أو مأساة فلسطين كي تقتنع بهذا الظلم البين، لكني سأرجع لك إلي الوراء أيام فقط وذلك عند إجتماع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع الرئيس الأوكراني زيلنيسكي، إجتماع أدهش العالم كله، ماحدث بين رؤساء العالم المتحضر الذي جاء ليعلمنا ويعطي لنا دروساً في الرقي والحداثة كان بمثابة الصاعقة للمتنوريين قبل المحافظين الرجعيين كما يُطلق عليهم، اجتماع وضع كل منبهر بالحرية والحداثة الغربية في مأزق حقيقي !!

بدأ الاجتماع بمحاولة ابتزاز معتادة من الرئيس الأمريكي المتحضر وفيها يطلب علانية نسبة من ثروات أوكرانيا، جزء من خيراتها، بعض من معادنها !!

ولكن رئيس أوكرانيا رفض بالطبع، لذا بدأ اللقاء يأخذ مسار مختلف فى الحديث، انقلب ترامب ومعاونيه بعد رفض زيلنيسكي دفع الإتاوة، كيف لك أن نساعدك طيلة ثلاثة أعوام ولا تدفع ثمن حمايتك، أظهر ترامب ونائبه الوجه القبيح لهذا العالم المتحضر وإن أنصفت قل الوجه الحقيقي، قمة السخرية وقلة الذوق من قبلة الحرية ومهد التطور، معظم الحديث أصبح في إطار معايرة الرجل والمنّ عليه بمساعدته بل إن ترامب قال له صراحة 

أين كلمة شكراً في حديثك؟ 

 وهو بالتأكيد يقصد شكر من نوع خاص وهو شكر مخلوط ببعض من المعادن الأوكرانية!!

لم يتوقف الحديث عن هذا الحد بل أخذ منحني التهديد والتلويح أنه لو تركه سيقع في براثن الدُب الروسي خلال أيام!!

لم يكتفي قادة العالم المتحضر بهذا بل بدأ ترامب في السخرية من ملابس زيلنيسكي!! رئيس دولة يسخر من لباس رئيس دولة أخري !! لا تندهش هذا يحدث في العالم المتحضر، لا تقلق فأنت أمام زعماء الحرية والعدالة!!

يبدو أن رفض زيلنيسكي دفع ثروات بلده لهذا الترامب جعلت منه مراهق فى الإعدادي يسخر من زميله في المدرسة، بدأ هو ونائبه اللوم على رئيس أوكرانيا أنه لم يأتي مرتديا بدلة بل اتهموه أيضاً أنه بذلك لا يحترم البيت الأبيض!! ( الحمدلله أنه لم يصنف إرهابياً )

زاد نائب ترامب من السخرية بأن سأل زيلنيسكى مباشرة ( هل تمتلك بدلة ؟)  

هذا حدث بين رؤساء العالم الحديث الجميل داخل أروقة الإعلام والصحافة، ما بالك بما يحدث فى الغرف المغلقة !! 

تخيل أن عالم هذا قادته يريد أن يعلمنا نحن الرقي والتمدن !! 

هل من الممكن بعد هذا الإسفاف أن نحعل هؤلاء هم قدوتنا ؟!

بعد فضيحة البيت الأبيض هل من المعقول أن نتعلم الديمقراطية من ترامب ونائبه ونترك المصطفي الذي علم الدنيا كلها جميع مباديء حقوق الإنسان واحترام الحريات بل طبقها ولم يتخذ منها شعارات جوفاء!!

المصطفي الذي نزل عن رأيه فى أُحد وخرج ليلاقي المشركين تنفيذ لمبدأ الشوري !  

المصطفي الذي غضب من أحد صحابته وهو أقربهم إلي قلبه ( أبو ذر الغفاري) عندما سخر من بلال وقت الغضب وقال له يابن السوداء !! هناك فى زمن الرجعية وافتقاد الديموقراطية كما يزعم المستشرقون استشاط غضبا القائد الذي لن تنجب البشرية مثله وقال لأبي ذر ( طف الكيل أبا ذر … إنك امرؤ فيك جاهلية ) ولم يصفو له إلا بعد اعتذاره لبلال .

نترك تعاليم هذا المُعلم الجليل لنتعلم من ترامب وهو يسخر من رئيس أخر بسبب هيئته 

كيف لي أن أرضي بلصوص هذا العصر قدوة لي وأنا أراهم يوميا يبيحون القتل والدمار في فلسطين و يطلبون من حاكم بلد علانية خيرات بلاده وارفض القدوة من أعظم القادة و هو يرفض أخذ أموال غنيمة من المغيرة بن شعبة حيث جاء له مسلماً بعدما غدر بأناس معه ليسوا على الإسلام وأخذ اموالهم فكان رد المصطفى صلى الله عليه وسلم: “أما الإسلام فاقبله منك، وأما المال فليس لي به حاجة، فقد أُخذ غدرا”؛

 لم يأخذ المال وهو في شدة احتياجه له حيث تبدأ الدولة وتتكون وهي تحتاج لكل الأموال لبنائها، ناهيك أن المال جاء من الأعداء !! هل فعل أشرف الخلق مثل مدعي الحرية والديمقراطية الان ؟؟ هل قبل المال الذي قدم له ؟ أم أنه رفضه وامتنع عنه في حين أن الأن في عصور الحرية نجد قائد أكبر دولة في العالم الذي تمتليء خزائن بلدته بالمليارات ومع ذلك يمارس البلطجة وفرض الاتاوة على الجميع !! 

والله إن أكبر خطأ حدث فى ذلك العالم هو عدم تعلمه لمنهج المصطفى وكيف كان يقود الناس، والله إن من أعظم آفات ذلك العصر هو افتقادهم للقدوة الحقيقية التي كانت كفيلة أن تنير حياتهم وتجعلها أكثر هدوء مما نحيا به الأن،

إن دروس المصطفي لم تكن مفيدة فقط للعرب والمسلمين بل لو فكر العالم كله لوجد أنه قد أضاع من الدروس ما كان ينتفع بها الخلق أجمعين.

 

نهى مرسي

نائب رئيس تحرير الموقع
شاهد ايضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
error: <b>Alert: </b>Content selection is disabled!!