مكانة الأم عبر التاريخ بقلم: الشيخ حازم جلال من علماء الأزهر الشريف
إن التاريخ لا يعرف دينًا ولا نظامًا كرَّم المرأة باعتبارها أمًا، وأعلى من مكانتها مثلما جاء بهِ دين محمد “صلى الله عليهِ وسلم”، الذي رفع من مكانة الأم في الإسلام، وجعل برها من أصول الفضائل، كما جعل حقها أعظم من حق الأب لما تحملته من مشاق الحمل والولادة والإرضاع والتربية، وهذا ما يُقرره القرآن ويُكرره في أكثر من سورةٍ ليثبِّته في أذهان الأبناء ونفوسهم.
ومن أعظم الأدلة على مكانة الأم في الإسلام الحديث النبوي الشريف الذي يروي قصَّة رجلٍ جاء إلى النبي “صلى الله عليه وسلم” يسأله: من أحق الناس بصحابتي يا رسول الله؟ قَال: «أمك»، قال: ثم من؟ قال: «أُمك»، قَال: ثم من؟ قال: «أمٌك»، قاَل: ثم من؟ قَال: «أبوك».
ويروي البزار أن رجلًا كان بالطواف حاملًا أمه يطوف بها، فسأل النبي “صلى الله عليه وآله وسلم” هل أديت حقها؟ قال: «لا، ولا بزفرة واحدة» !.. أي زفرة من زفرات الطلق والوضع ونحوها.
وبر الأم يعني: إحسان عشرتها، وتوقيرها، وخفض الجناح لها، وطاعتها في غير المعصية، وإلتماس رضاها في كل أمر، حتى الجهاد، إذا كان فرض كفاية لا يجوز إلا بإذنها، فإن برها ضرب من الجهاد.
ومن الأحاديث النبوية الدالة على مكانة الأم في الإسلام قصة الرجل الذي جاء إلى النبي “صلى الله عليه وسلم” فقال: يا رسول الله أردت أن أغزو، وقد جئت أستشيرك، فقال: «هل لك من أم؟» قال: نعم، قال: «فالزمها فإن الجنة عند رجليها».
وقد كانت بعض الشرائع تهمل قرابة الأم، ولا تجعل لها اعتبارًا، فجاء الإسلام يوصى بالأخوال والخالات، كما أوصى بالأعمام والعمات. ومن الأحاديث الدالة على ذلك أن رجلًا أتى النبي “صلى الله عليه وآله وسلم” فقال: إني أذنبت، فهل لي من توبة؟ فقال: «هل لك من أم؟» قال: لا، قال: «فهل لك من خالة؟»، قال: نعم، قال: «فبرها».
ومن عجيب ما جاء به الإسلام أنه أمر ببر الأم، حتى وإن كانت مشركة؛ فقد سألت أسماء بنت أبي بكر النبي “صلى الله عليه وسلم” عن صلة أمها المشركة، وكانت قدمت عليها، فقال لها: «نعم، صلي أمك».
ومن رعاية الإسلام للأمومة وحقها وعواطفها أنه جعل الأم المطلقة أحق بحضانة أولادها؛ تقديرًا لمكانة الأم في الإسلام. وأولى بهم من الأب، حيث قالت امرأة يا رسول الله إن ابني هذا كان بطني له وعاء، وثديي له سقاء. وحجري له حواء، وإن أباه طلقني. وأراد أن ينتزعه مني! فقال لها النبي “صلى الله عليه وسلم”: «أنتِ أحق به ما لم تنكحي».
والأم التي عني بها الإسلام كل هذه العناية، وقرر لها كل هذه الحقوق. واجب عليها أن تحسن تربية أبنائها، فتغرس فيهم الفضائل، وتبغضهم في الرذائل، وتعودهم على طاعة الله. وتشجعهم على نصرة الحق، ولا تثبطهم عن الجهاد، استجابةً لعاطفة الأمومة في صدرها، بل تغلب نداء الحق على نداء العاطفة. وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا وحبيبنا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين.