مُسجّل خطر …غناء .. كتب: عمرو نوار
في أواسط الثمانينات لا ينسى من كان يعيش فى حي متوسط أو شعبي ذلك السرادق الذي كان ينصب لزواج أحد شباب أو فتيات الشارع وكان العمل يبدأ من الصباح بهمة ونشاط فلا يأتى الليل إلا و الحفلة منصوبة وكل شئ جاهز ومعد لاستقبال المعازيم الذين لن يخرجوا عن سكان الشارع والشوارع المجاورة وأقرباء العريس والعروس ورغم ان هذا الطقس مازال معمولا به إلى الان فى الافراح الشعبية حيث لم يكن فى متناول الشعب فى أغلبه من الطبقة المتوسطه أو دون المتوسطة آنذاك ان يحجز قاعات الافراح أو قاعات الفنادق وسواءا كان الفرح فى سرادق متنقل أو فوق السطوح فالنتيجة واحدة
حيث سيساق إلى ذلك الفرح مطرب الحي والذى سيكون في الأغلب مكوجي أو عجلاتي الحتة مع بعض الاسماء المجهولة لمطربين يحملون القابا عجيبة مثل صلاح كاكس ورضا حواكة ووحيد بشلة يتم شحنه قبل الصعود إلى خشبة المسرح بسيجارتين حشيش وعدة زجاجات من البيرة ليصعد ممتلئا بالطاقة المنحرفة ليغني كلامًا عجيبًا يحيط به بعض الراقصين من الحضور وهم ممسكين بالمطاوي ويتحلّق المشاهدين حول طاولات تمتلئ بزجاجات البيرة وسجائر الحشيش وتبدأ الصهللة ودوائر الدخان الأزرق تعم أرجاء المكان فلا يفهم أحدٍ ماذا يقول المطرب وحيد بِشلة أو ماهى الكلمات التي يتغنى بها رضا حواكة ولا يهم أحد ان يفهم لانه في النهاية هي حالة جماعية من “الصهللة” والغياب عن الوعي ينتهي بانتهاء الفرح وفك السرداق ليبدأ بِشلة وحواكة امسياتهم فى أفراح أخرى وليالي ” سلطنة ” أخرى… يمكنك بعد قرابة عشرين عاما ان ترى نفس المشهد مع تغييرات طفيفة لم تفقد نفس القصة الأولى طعمها ولا سلطنتها ولا دخانها… الفارق ان هؤلاء “بشلة “وحواكة” قد خرجوا من ذلك السرادق الصغير مع المعازيم ” المساطيل” إلى رحاب الفضائيات الأوسع والإعلام الأشمل صوتا وصورة وثراءا وقيمة إجتماعية مع تغيير طفيف في الأسماء ف بدلًا من ” حواكة ” أصبح لدينا “بيكا”… وبدلًا من “بشلة ” أصبح لدينا ” شاكوش ” وكزبرة وشطة الخ الخ …
هم أنفسهم فى ذلك المشهد البائس الذى ترعاه أجهزة الدولة ممثلة فى وزارة الثقافة وهيئاتها وأجهزتها الرقابية التي تركت الساحة تعج بأمثال هؤلاء ليجرّوا وراءهم جيل بأكمله إلى تدني الذوق والتلوث السمعي والبصري الذي أصبح يحيطهم من كل جانب
..وإذا تأملت المشهد لتسال من اتى بهؤلاء وماذا يغني هؤلاء ومن يكتب ومن ينتج ومن يطرح في الأسواق لوجدت منظومة لا تختلف كثيرًا عن منظومة توزيع المخدرات التي كان يقودها أحد نجوم تلك الفترة وهو المعلم ” كّتُكت” ولكن “كتكت” الجديد تعلم الدرس وغّير نشاطه إلى الاتجار في “المخدرات الفنية” …وكما ان الأجهزة الأمنية لديها مسجلّين خطر سرقة “وفرض سيطرة ” وبلطجة ” حسب -المصطلح الأمني- فان الحاجة أصبحت ماسة الان لتسجيل كل هولاء بالمصطلح المناسب لكل مطرب فيهم وهو ( مُسجّل خطر …غناء )