حمدي رزق يكتب… إحنا آسفين يا راشفورد!
على طريقة «إحنا آسفين يا صلاح»، إحنا آسفين يا راشفورد، جد آسفون، لا مؤاخذة يا نجم، طق حنك، كلام ساكت، غشم كروى بعيد عنك، كفاية إنذار أصفر على يد محضر، تعويض إيه اللى انت جاىّ تقول عليه؟، إحنا بنكمل عشانا نوم!.
تحركت كتيبة الدفاع عن «راشفورد»، مهاجم مانشستر يونايتد، ضد الشاب من «أبوحماد»، بحسب عريضة الاتهام، حيث تحمل تهمًا جسامًا. تهديد وتنمر وعنصرية وووو.
بعيدًا عن الملابسات، واتهامات «راشفورد» ودفاع الطالب عن نفسه بجرأة يُحسد عليها، ولطالما القضية في القضاء، ليس من الحكمة الحطّ على دماغ الطالب، ولا التهوين من حقوق «راشفورد»، خلينا خارج الخطوط.
بعيدًا تمامًا، ولا صلة بالقضية ولا بملابساتها من بعيد ولا قريب، الدرس الفضاء ليس فضاء، وحذارِ من استباحة البشر عبر الفضاء الإلكترونى، تحت مظنة حرية الرأى والتعبير.. وغيره من المصطلحات التي استُبيحت تحت مزاعم يوتيوبرية فاقعة.
حذارِ، العالم صغير، أصغر من القرية التي يسكنها الشاب الذي ساء حظه العاثر أن يطالع «راشفورد» أو الشركة التي تدير حساباته الإلكترونية. رشقته الإلكترونية أصابت «راشفورد» في رأسه، فقرر رد الاعتداء بالقانون.
لا تتخيل أيها المُغرد أنك في مأمن، ولا تزعم أيها المُفسفس شجاعة على الكيبورد، وتحَسّس موضع صباعك، وزِن كلماتك، فكل لفظ عليه رقيب إلكترونى عتيد.
والدرس أيضًا من ممارسة «راشفورد» عدم التساهل مع الهجمات الإلكترونية. الذئاب المنفردة، عقورة، متلمظة، تنهش السمعة، ولا ترعوى لقانون، وشهدنا طوال السنوات الماضية فصولًا مأساوية من القصف المُركَّز على شخوص بعينها، بلغت حد السب والقذف، وتَتَرّت إلى وحل المُلاسَنات، والاتهامات الجزافية مُطلقة السراح عبر حسابات إلكترونية وهمية.
«راشفورد» لم يصمت على ما ظَنّه إهانة، ولا بلع ما حسبه استهانة، ولا تسامَح مع ما تَصَوّره عنصرية فجّة بين سطور هائمة في الفضاء الإلكترونى كتبها شاب مجهول في قرية لا تكاد تظهر على برنامج «جوجل إيرث». «راشفورد» لا يعرف مَن هذا الذي قذفه، ولكنه أصر على تعقبه مهما كلفه الأمر.
لو تمسك كل ضحية إلكترونية بحقوقه القانونية لقُطعت الألسنة التي طالت واستطالت نهشًا في الأعراض، وللزم كلٌّ حدوده المرعية. آخر الدواء الكىّ على الأيدى التي تعبث على الكيبورد.
بعيدًا تمامًا عن قضية «راشفورد»، التي نتمناها بردًا وسلامًا على الشاب من أبوحماد، يحضرنى بيت شعر بليغ لطيب الذكر، الشاعر الكبير صلاح عبدالصبور: «لا أدرى كيف ترعرع في وادينا ال طيب هذا القدر من السَّفَلة والأوغاد؟».
جد أتساءل- لست متساهلًا: متى انفجرت ماسورة الصرف الصحى في الفضاء الإلكترونى هكذا لتُغرق ثيابنا بهذا الكم من السخام؟!.
إلا مَن رحم ربى، الكل كليلة تحت طائلة القصف الإلكترونى. الذباب الإلكترونى، اسم الدلع للكتائب الإلكترونية التي اخترعتها الجماعة الإرهابية، ملأت وحداته الفضاء الإلكترونى طنينًا، وتكاثرت سرطانيًّا، واستجلبت ذبابًا مُهجَّنًا. الذباب الأزرق الشهير الذي كان نادرًا صار ملونًا، أحمر وأسود وأصفر، والأحمر دموى، والأسود إرهابى، والأصفر حاقد، يفكّرك بقاسم السِّمَّاوى.
جرِّب على مُحرِّك البحث عن اسمك المُجرَّد، ستنفجر ماسورة المجارى تُغرقك حتى تستغيث وتقول: يا مغيث. «راشفورد» لم يصمت، وهذا حقه، ولكن غيره يصمت على مضض خشية البهدلة الإلكترونية.