حمدي رزق يكتب.. لهاث صحفى وتهافت إعلامى!
بيان النيابة العام عقب تحقيق مقتل «سلمى»، فتاة الشروق، يجب أن يُعلَّق فى صالات تحرير الصحف والمواقع الإخبارية، ويُدرَّس فى كليات الإعلام ضمن مناهج أخلاقيات العمل الصحفى والإعلامى.
درس قضائى يستأهل توقفًا، احترامًا، وتبينًا لمغزى عباراته البليغة فى توصيف حالة اللهاث الإعلامى والفضائى والإلكترونى الذى أصاب نفرٌ من الصحفيين، فصاروا يخوضون فى أعراض الضحايا، ويشقون القلوب بحثًا عن انفراد يصلح «تريند» يجتذب الذباب الإلكترونى.
لقد جاوزوا المدى فى تغطيات ملونة، صفراء فاقع لونها، بحثا عن الإثارة، حالة لهاث بلغت حد التهافت (على حد وصف البيان) فى بث حىّ يشوش على الوقائع، ويحرف مسار التحقيقات، ويحشد الرأى العام خلف سفاسف وهوامش دون متون التحقيقات، ما يربك المشهد تماما، ويرسم صورة سوداوية للمجتمع المصرى، ما يهدد الأمن المجتمعى الذى هو فى قلب الأمن القومى.
رسالة النائب العام المقدر المستشار «حمادة الصاوى» لا تحتاج إلى ترجمة، رسالة بعلم الوصول، لمن ألقى السمع للرسالة، وهو شاهد عيان على ما يجرى..
نصا من البيان: «تحذر النيابة العامة من هذا التهافت واللهث الإعلامى غير المبرر خوضًا فى تفصيلات الواقعة (مقتل سلمى) وتحليلها وتحليل شخصية المجنى عليها والمتهم، وبواعث ارتكابه الجريمة، دون سند لديهم أو حق لهم يبيح ذلك، الأمر الذى يصدّر صورة غير حقيقية عن اختلال التوازن الاجتماعى باضطراب العلاقات بين الشباب والفتيات وإتيانهم سلوكيات غريبة على هذا المجتمع وقيمه ومبادئه، وتفشى بعض الظواهر على وجه التحديد، وهو ما ليس حاصلًا بهذه الصورة التى يسعى البعض إلى تصديرها، وكأنها معبرة عن حال المجتمع بأسره، فليس المتهمون فى تلك الجرائم معبرين عن طائفة الشباب كلهم، وليست كافة العلاقات بينهم والفتيات يشوبها مثل هذا الاضطراب، أو يكون منتهاها ارتكاب مثل تلك الجرائم».
وتشدد النيابة: «فاحذروا من هذا التهافت الذى لا يبرره حق المجتمع فى المعرفة والإحاطة، فهذا الحق تحرص النيابة العامة على استيفائه بشفافية وعلانية نسبية مرهونة بسلطتها التقديرية بما لا يمس بسلامة التحقيقات».
«بما لا يمس بسلامة التحقيقات».. هنا مربط الفرس، وكما شاهت حروف قضية «نيرة» تحت وطأة النشر المفرط المنفلت دون بصيرة، أخشى تسقط قضية (سلمى) فى فخ «التريند» الذى يحرف الوقائع عن مسارها القضائى، فتصير مضغة فى أفواه تتلذذ بأكل لحم الميتة.
هناك اجتراء يصل إلى حد الافتراء على سير التحقيقات، وكما شددت النيابة العامة مرارًا وتكرارًا على حظر تداول أى مواد متعلقة بالجرائم الجنائية بمواقع التواصل الاجتماعى ووسائل الإعلام والصحافة المختلفة، إلا ما تفصح عنه فى بياناتها الرسمية؛ حفاظًا على سلامة الأدلة وحسن سير التحقيقات، وصونًا لحقوق المجنى عليهم والمتهمين، وليس بدافع منها للاستئثار بالمعلومة أو الافتئات على حق المعرفة العامة أو تحقيق سبق فى هذا المجال الذى تنأى النيابة العامة عن أن تكون منافسة فيه، فهى وحدها دون غيرها بموجب الدستور والقانون صاحبة الدعوى العمومية، ولها فى حق الحفاظ عليها اتخاذ ما تراه من إجراءات صارمة للتصدى لكل ما يمس بهذه الدعوى بأى صورة من الصور.
الخلاصة فى بيان النيابة العامة، مناشدة كل المؤسسات المعنية بالصحافة والإعلام وقوفها جنبًا إلى جنب النيابة العامة فى كل الإجراءات اللازمة لتحجيم هذا اللهاث الإعلامى غير المبرر الذى أصبح ناقوس خطر ينذر بسُوء العاقبة!.