مقالات

حمدي رزق يكتب: الاستهلاك العقلانى.. والعقل الاستهلاكى

حمدي رزق يكتب: الاستهلاك العقلانى.. والعقل الاستهلاكى

حمدي رزق يكتب: الاستهلاك العقلانى.. والعقل الاستهلاكى
حمدي رزق

على سبيل المزاح وتزجية الفراغ، أفرض مثلًا: وزير مصرى مهموم بأزمة الطاقة خرج على الناس قائلًا: أغلقوا الأبواب ساعة تشغيل التكييف توفيرًا للطاقة؟!..

ماذا أنتم فاعلون؟.. العند، وركوب الراس، وهنفتح الأبواب، واللى فيها يصبح، ونحط على رأسه حطة رجل واحد على الفيس، ليتفرق دمه بين القبائل في الفضاء الإلكترونى.. لن يكررها أبدا.

على محمل الجد، وزيرة الطاقة الفرنسية «أنييس بانييه روناشيه» واتتها الشجاعة لتقول للفرنسيين، إنه من «غير المقبول» ترك الأبواب مفتوحة أثناء تشغيل أجهزة التكييف، وبينت أن غلق الأبواب سيتيح تخفيض فاتورة الطاقة بنسبة ٢٠٪ تقريبًا.. ترك الأبواب مفتوحة يعنى «استهلاكا أكبر بنسبة ٢٠٪ بالمئة، وهذا غير معقول».. وهددت الوزيرة المتاجر المخالفة بأنهم سيدفعون غرامة قدرها ٧٥٠ يورو للأبواب المفتوحة و١٥٠٠ يورو للافتات الضوئية!!.

بمناسبة اللافتات الضوئية، خطة توفير الطاقة التي وضعتها الحكومة الفرنسية تشمل حظر الإعلانات المضيئة ليلًا، باستثناء محطات القطارات والمطارات.. والخطة جزء من استراتيجية ترشيد طاقة شاملة تهدف إلى تقليص استهلاك الطاقة على الأراضى الفرنسية بنسبة ٤٠٪ بحلول عام ٢٠٥٠.

غريبة، لا حِس ولا خبر ولا تويتات ولا تغريدات ولا كومكسات ولا سخرية، ولا ولا، بل انصياع تام في إطار ما يسمونه أوروبيًا «الاستهلاك العقلانى».. أي مواطن سيخرق الاستهلاك العقلانى ويترك لعقله الاستهلاكى العنان (حتى في بيته) سيتعرض لعقوبات صارمة.

ألمانيا مثل فرنسا، ومثلهما إسبانيا، فضلا عن إنجلترا، يحكمون قواعد الاستهلاك العقلانى، قواعد صارمة تُلزم المبانى العامة بأن تكون درجة التدفئة ١٩ درجة مئوية كحد أقصى في فصل الشتاء. وحددت فرنسا وإسبانيا أيضا درجة الحرارة الأدنى لمكيفات الهواء في المبانى العامة عند ٢٦ درجة مئوية و٢٧ درجة مئوية على التوالى.

وقررت الحكومة الألمانية أن المبانى العامة والمعالم الأثرية لن تُضاء أثناء الليل بعد الآن، بينما في إسبانيا قررت إطفاء الأنوار في نوافذ المتاجر بعد الساعة العاشرة مساء.

شتان، ناس وناس، الحياة في القاهرة بأنوارها الباذخة تسطع مع دخول الظلام.. العقل الاستهلاكى في مصر بعافية حبتين، لا علاقة له بأزمة الطاقة من قريب أو بعيد، الأنوار بتلعلط على واجهات المحال والمولات والكافيهات.

تحس أن مصر في كوكب آخر، وأن أزمة الطاقة لم تمر بالمحروسة، عاملين من بنها، ولا نحن هنا، وإحنا مالنا بفرنسا وألمانيا وإسبانيا.. خليها على الله، محروسة يا مصر.. متنساش مصر منورة بأهلها، كل مصرى كلوب منور.

الفرنسيون وكافة شعوب المعمورة يقينًا يحسدون المصريين على بحبوحة الطاقة، القاهرة منورة ٢٤ ساعة، وحتى تظل القاهرة منورة مستوجب تحكيم قواعد الاستهلاك العقلانى وترشيد العقل الاستهلاكى، استدامة معدلات استهلاك الطاقة على هذا المنوال الاستنزافى ستورثنا أزمة طاقة عاجلا أو آجلا، وهذا ما نخشاه.

الكهرباء مصروف عليها مليارات من لحم الحى، وأى زيادة في سعر الكهرباء توجع الطيبين، وتأجيل الزيادة لأعوام رفقًا بالطيبين، يجب ترجمتها إلى ترشيد استهلاك وليس لنزيف استهلاك.. الاستهلاك العقلانى ضرورة وطنية، وبقواعد صارمة وعقوبات على المخالفين من أصحاب المولات والكافيهات والمعارض.. كما فعلت الوزيرة الفرنسية دون أن تخشى ملامة فيسبوكية!!.

نهى مرسي

نائب رئيس تحرير الموقع
زر الذهاب إلى الأعلى