حمدي رزق يكتب: سامح شكرى فى الأدغال!
إلى محمية «سيلوس جام»، تبعد نحو ٢٢٠ كيلومترًا، جنوب غرب (دار السلام/ تنزانيا)، شد وزير الخارجية، «سامح شكرى»، الرحال، فى ساعة متأخرة من ليل الأربعاء الماضى.
رحلة طويلة ومرهقة تقارب ست ساعات طيران، ودار السلام، العاصمة التجارية لتنزانيا، تقع على الساحل الشرقى على المحيط الهندى. كانت تُدعى سابقًا «مزيزيما»، وتُعتبر أكبر مدينة تنزانية من حيث عدد السكان (ما يزيد على ٤ ملايين نسمة).
وبعد راحة قصيرة، وفجر الخميس، كان يستقل طائرة صغيرة، لا تكاد تُرى فى السماء، إلى محمية «سيلوس جام» على ضفاف نهر «روفيجى»، التى تُعد من كبرى المحميات الحيوانية المفترسة فى العالم، توصيفًا غابة مفتوحة، تؤمها ضَوَارٍ متوحشة.
للجد، أشفقت على الوزير شكرى من هذه الرحلة القاسية التى لا يذوق فيها النوم، ويتحصن بالطعوم قبل وبعد الرحلة، ولكنه كان أكثرنا تحملًا، الشباب شباب القلب، وفى رفقته وزير الإسكان، «عاصم الجزار»، الذى يلفتك بفتوته البادية، مُشمِّرًا قميصه، وكأنه نازل الموقع يجِسّ الأساسات تحت سد «يوليوس نيريرى للطاقة الكهرومائية».
الوزير شكرى حرص على حمل رسالة الرئيس السيسى إلى الشعب التنزانى، رسالة صداقة وشراكة فى التنمية، رسالة تؤكدها مصر باضطلاعها بتنفيذ السد فى منطقة طبوغرافية شبه مستحيلة، ولكنها إرادة المصريين، وكانت كلمته القصيرة تعبيرًا عاطفيًّا عما تحمله مصر لأشقائها فى القارة السمراء من أشواق كانت أمنيات، فصارت واقعًا مجسدًا فى بناية السد العالى فى تنزانيا تيمنًا بالسد العالى فى مصر. الأشقاء دومًا ينظرون إلى الشمال، حيث عاصمة إفريقيا الأولى.
فى درجة حرارة ٣١ فى الظل ورطوبة تفوق الاحتمال، انداح العرق غزيرًا، جاوز غزارة المطر، الذى هطل كالسيل، وكأن السماء تبارك للشعب التنزانى تدشين السد.
البروتوكولات الدبلوماسية، وفى حضرة الدكتورة سامية حسن، رئيسة جمهورية تنزانيا المتحدة، لم تمنع عميد الدبلوماسية المصرية من خلع «جاكت البدلة» تخفُّفًا فى مناخ استوائى نسبة إلى خط الاستواء، يذوب من قسوته «عين القِطر»، النحاس.
ترجمة المشهد تنزانيًّا «محبة وقبول» وصيحات تهليل. دخل قلوبهم التى فتحها الرئيس السيسى يوم وعد بإنجاز المشروع الأصعب هندسيًّا فى ٣٦ شهرًا عبر تحالف وطنى عظيم «المقاولون العرب والسويدى»، فى ظهر الرئيس رجال، كما قال السيد «أحمد السويدى»، فى حوار جانبى، وهو يحتمى من السيول بمظلة، فى درجة حرارة عمودية تُذيب خلايا المخ من شدتها.
الوزير شكرى خلال ٢٤ ساعة، زمن الرحلة، بالكاد أغمض عينيه على جناح الطائرة، اقتنص لحظات أغمض فيها عينيه المجهدتين من أثر الإرهاق، الذى نال من الوفد المرافق، الذى ضم المهندس «سيد فاروق»، رئيس شركة المقاولون العرب، الذى خبر المكان فصار كأنه وُلد فى دار السلام.
شكرى فى الأدغال، مصر فى قلب القارة، مشهد متكرر، يعوض غيابًا مصريًّا طال، وكلمات الشكر من الدكتورة سامية، رئيسة تنزانيا، لسان حال، وعندما نادت الدكتورة الرئيسة على المهندس «عاصم الجزار» ليشارك كبار الضيوف لحظة إطلاق مياه نهر روفيجى عبر بوابات السد السفلية، صفق الوزير شكرى فرحًا بهذا التقدير الرئاسى من الدكتورة، التى هتفت بالصداقة بين الشعبين. مصر تدخل بهذا المشروع العملاق قلب إفريقيا من أوسع بوابات السد التسع. (نُكمل الرحلة التنزانية غدًا).