العارف بالله طلعت يكتب : جهاز الشرطة عبر العصور
قدماء المصريين أول من عرفوا نظام الشرطة واستخدموا السفن النهرية لحماية القوافل التجارية وضمان سلامتها كما اخترعوا الأسلحة والسيوف التي كانت تستخدم في تسليح رجال الأمن.
واعتنى المصريون القدماء بنظام حماية الدروب والشوارع والطرقات والمقابر
أقدم جهاز شرطة في التاريخ كان مصريا وكان اختيار رئيس الشرطة يعتمد على الذكاء وسعة الأفق والخلق الحسن من بين الضباط ممن يحملون رتبة “حامل العلم” في حرس الملك.
وكان هناك رئيس لشرطة العاصمة والمدن الكبرى لوجود عمال نحت وتزيين المقابر وكانت لشرطة مدينة قفط جنوب مصر مكانة هامة لأنها تقع على طريق جلب الذهب من وادي الحمامات وكانت هناك سلطة كبيرة ونفوذ لرئيس الشرطة الصحراء التي تقوم بتعقب الفارين إلى الواحات وحماية عمال قطع الحجار وكان رئيس شرطة الصحراء تحت الإشراف المباشر للوزير
إن علم الشرطة كانت عليه صورة غزال في طيبة أو درع مستطيل الشكل مرسوم عليه الملك يضرب عدواً له وكانت علاقة الشرطة بالشعب تعتمد على الصداقة كما جاء في نصيحة الحكيم آني لابنه وهي “اتخذ من شرطي شارعك صديقاً لك ولا تجعله يثور عليك” وكانت أجهزة الشرطة تتكون من الشرطة المحلية لحفظ النظام في المدن الكبرى مثل منف وطيبة وتل العمارنة والصحراء والحرس الملكي وكان يشرف عليه الوزير وتضم كذلك شرطة المعابد وكانت مخصصة لحفظ النظام داخلها وشرطة المقابر لحفظ وحماية ما تحويه من كنوز وشرطة أمن الدولة لكشف المؤامرات ورصد أعمال حكام الأقاليم وكان يوجد ما يسمى بالشرطة النهرية لتوفير الأمن للتجارة عبر نهر النيل .
وفي عصر أمنحوتب الثالث انتشرت القرصنة في حوض البحر المتوسط فعين الملك حراسة للسواحل المصرية وشرطة المناجم والمحاجر وكانت توكل للشرطة مهام أخرى مثل المعاونة في جمع الضرائب ومراقبة ضبط المكاييل والأوزان والخبز ومنع الغش.
وجهاز الشرطة في العصر البطلمي بداية من عام 30 قبل الميلاد كان الضباط والمناصب القيادية فيه من الإغريق ثم توالى بعد وتدريجيا دخول المصريين وكان تسليح الضباط هو حمل السيف بينما كان تسليح المعاونين هو السوط والجنود العصا.
ومن المهام التي أوكلت للشرطة في تلك الفترة حماية الأراضي الزراعية وحرس الحدود والمهام الخاصة والحراسات الخاصة والشرطة النهرية وشرطة تنفيذ الأحكام
وفى عصر الرومان أثر البطالمة في أول الأمر ثم لجأوا لنظام مزدوج يضم رجال شرطة مدنيين لحفظ الأمن والنظام يتم تعيينهم من أهالي المنطقة ويضم أيضا رجال الجيش وكان رجال الشرطة في تلك الفترة من المتطوعين.
ونظام الشرطة في الفترة البيزنطية من 297 ميلادية إلى 641م ميلادية وكان يتكون من الدوق وهو رئيس الشرطة ورئيس الأبروشية ويلعب دور مدير البوليس ونشأت قوة لحفظ النظام العام وضبط المتهمين في المدن والقرى وتسليمهم للقضاء والشرطة الخاصة لحراسة كبار الملاك.
وبعد الفتح الإسلامي لمصر أصبح منصب صاحب الشرطة منصباً هاماً ويعتبر نائبا للوالي وأسس المسلمون دارا للشرطة بالفسطاط بجوار دار الوالي وتطور نظام الشرطة.
وفي العصر الأموي وأدخلت للشرطة ولأول مرة نظم محكمة مثل مراقبة المشبوهين وعمل سجل خاص لحصرهم للحد من نشاطهم كما أدخل نظام السجل الشبيه بالبطاقات الشخصية يتضمن الاسم والموطن الأصلي وبيانات أخرى ولا يسمح لأي شخص بالانتقال من مدينة لأخرى إلا بهذا السجل وكان هناك بدل فاقد وتالف لهذا السجل.
وفى العصر العباسي كان رجال الشرطة يقومون بحراسة الأحياء والأسواق وأسوار المدن ورئاسة حرس الخليفة وأسرته والنظر في الجرائم وإقامة الحدود وانقسمت الشرطة لمجموعتين تمثل الأولى اختصاصات إدارية من معونة الحكام وضبط المجرمين وحراسة الأرواح والأموال والأعراض والاختصاصات القضائية وهي النظر في الجرائم وكانت هناك الشرطة السفلى ومقرها الفسطاط والشرطة العليا ومقرها مدينة العسكر ومن مهام الشرطة الطواف ليلا للمحافظة على الآداب العامة ومنع الخمور
وفي عهد الدولة الطولونية نشأت الشرطة السرية لاستقصاء الأخبار من كل مكان وشرطة تشبه شرطة الجوازات
وفي العصر الفاطمي نشأت شرطة المطافئ والآداب العامة والتصدي للإضرابات والثورات والفتن.
وفى عصر القائد صلاح الدين الأيوبي الذي حارب المفسدين واللصوص لدرجة أن الإنسان كان يمر بالصحراء وحده ومعه أحمال من الذهب دون خوف من قطاع الطرق وتصدت الشرطة لارتفاع الأسعار وتنظيم الأسواق خاصة في القاهرة والإسكندرية
وفى العصر المملوكي استمرت نفس المهام وعرف صاحب الشرطة بلقب الوالي وقد أدى اتساع المدينة إلى وجود ثلاثة ولاة والي القاهرة ووالي الفسطاط ووالي القرافة.
وفى عام 1805 عندما أنشأ والي مصر وقتها محمد علي باشا ديوان باسم ديوان الوالي لضبط الأمن في القاهرة وتطورت المهام ففي 25 فبراير 1857 عرف ما يسمى بنظارة الداخلية ثم تحولت إلى وزارة ورأسها أول وزير داخلية مصرى.
وكان ناظر الداخلية ذلك الاسم الذي يطلق على وزير الداخلية في بداية القرن العشرين وكان الناظر وقتها مصطفى فهمي باشاواستمر استخدام لقب الناظر حتى قيام الحرب العالمية الأولى عام 1919 وإعلان بريطانيا الحماية على مصر وإجراء بعض التغييرات في المناصب السياسية والمسميات وكان منها ذلك اللقب الذي تحول إلى وزير وكان حسين باشا رشدى هو أول وزير للداخلية يحمل هذا اللقب.
واحتفظ العديد من رؤساء الوزراء لأنفسهم بمنصب وزير الداخلية لما يمثله من ثقل يجعله المحرك شبه الأساسي للأحداث داخل البلاد حيث يمكنه التحكم في الانتخابات واختيار رجال الإدارة ومراقبة الخصوم السياسيين وجاء تولى سعد باشا زغلول لمنصب وزير الداخلية إلى جانب رئاسته للوزارة المصرية عام 1924
فنرى أن المفكر والكاتب والمحامى الشهير أحمد لطفي السيد تربع على كرسى وزير الداخلية في لمحة تحسب للتاريخ المهم للوزارة.
وحين أعلنت الجمهورية في مصر عام 1953 حرص الرئيس الراحل جمال عبد الناصر على تولى وزارة الداخلية في إطار محاولته الحفاظ على دوره الذي يرسمه لنفسه وهو ما يعطى بعداً لأهمية ذلك المنصب
وأنشئت مدرسة البوليس بغرض توفير العدد الكافى من الضباط الذين تحتاجهم الداخلية لمباشرة أعمالهم المختلفة وذلك في إطار سياسة تحقيق الاكتفاء الذاتى وعدم الاستعانة بضباط الجيش في أعمالهاوقد صدر أول قانون بوضع نظام للعمل بالمدرسة عام 1911 ويعد تولى عزيز بك المصري رئاسة المدرسة في عام 1928 إحدى المحطات المهمة في تاريخهاحيث عمد إلى تطويرها وتحديثها مستندا إلى ماضية الحربى المشرف في العديد من الدول العربية منذ كان ضابطا في الجيش العثمانى ولم يقتصر دور المدرسة في بادئ الأمر على تخريج ضباط بوليس فقط بل شهدت عدة أقسام جديدة لتخريج بعض رجال البوليس فيما دون الضباط، مثل قسم الكونستابلات.
وشهدت الثلاثينيات أيضا دخول الكلاب البوليسية إلى المدرسة وحين ظهرت فائدتها في تعقب الجناة واقتفاء الأثر تم الاتجاه إلى إنشاء أماكن مخصصة لها وتقديم مزيد من الرعاية الصحية لها، وتحولت المدرسة إلى كلية في أوائل الأربعينيات.وفى عام 1975 أنشئت أكاديمية الشرطة وصارت كلية الشرطة إحدى فروعها المتعددة ومنها كلية الشرطة