نوبة! .. “قصة قصيرة” بقلم: عبدالله بن صليح
على جانب الطريق، أصر عابر على مواصلة خطواته بثبات، كانت خيوط الشعاع التي تغيب من خلفه لا تنفك تحاول مناداته للرجوع، انهمكت المآذن في مناداته باسم الدين أن يرجع، لكن خطواته تصر، بينما عيناه تذبل، وخفقات قلبه تتباطأ، هنا بدت خيوط الطريق مائلة أمام ناظريه، وتصاعد في عقله صوت صفير يعرفه جيدًا، يغمر وجهه من شفتيه التي حين تغرق لا يمكنها الحديث، وحتى اذنيه التي تخفت الأصوات فيها والضجيج، وكما يبحث الغريق عن قشّة، تجول بعيون مجهدة حوله ليرى متجر المواد الغذائية يوشك على الإغلاق، تحامل بينما يحمل قدميه كأنما يجرها بيديه نحوه، دخل يبحث عن قيس، عن شيء يقيه الفناء، عن رمق يسد فوهة النعاس الجاثم على وعيه..
لم يرع انتباهه لهتاف العامل الذي حوقل من تكراره للتنبيه بوقت الاغلاق. كان يصم جل تركيزه على ما يمكنه انقاذه. هناك في آخر المتجر فتح أول جهاز تبريد يظنه المنشود، ليقع فيه دون حراك.
مرت بهذا المتجر الوحيد الذي لم يغلق أبوابه العديد من الخطوات، كلها تجمهرت حوله بينما يتحدثون عن الخطيئة وإثم الخمر وحياة السيئات، تنوعت اللغات واتحدت المعاني. وبينما هم كذلك، توقف أحد المارة لنداء فضوله. وولد حتى وصل إلى الثمل الذي يظنونه. وأخرجه بينما يطالبهم بإحضار عصير البرتقال، والماء، وانهمك يسنده ويسقيه، حتى فتح ذاك المغمور عينيه. وعادت له الأصوات، وتلونت الحياة في عينيه، وصارت هناك حكاية أخرى يسردها عن نوبات انخفاض السكر.