مقالات

محمد كامل الباز يكتب: الدرجة المالية

محمد كامل الباز يكتب: الدرجة المالية

محمد كامل الباز يكتب: الدرجة المالية
محمد كامل الباز

كلمة من ستة أحرف ولكنها تعني الكثير، تبدو صغيرة وسهلة فى الكتابة ولكنها ضليعة ومعقدة فى الحقيقة و الصياغة، كلمة بسببها بيوت خُربت ومصالح عُطلت، الدرجة حيث تبدو فى الوهلة الأولي كأنها منزلة ومكانة ولكنها عند نظامنا الإدارى تعني مشقة ومهانة؛

تم تاسيس الدرجات المالية فى الحياة الإدارية لموظفي الدولة ومنذ تأسيسها وهي خط أحمر لا يجوز الإقتراب منه أو المساس به، بسبب تلك الدرجة نجد موظفين يتركوا أسرهم ليقطعوا آلاف الكيلومترات كي يعملون فى بلد نائي لأن درجتهم هناك، بسبب تلك الدرجة تُحرم جهات كثيرة من موظفين أكفاء يفهموا ويخلصوا للعمل ولكنهم يتركوه للأسف لأنهم ليس لديهم درجة، بسبب تلك الدرجة قد يترك المخلص عمله ويستقيل، تقدم علي إجازة الموظفة المجتهدة لأن ليس لديها درجة فى العمل الجديد ويجب أن تتركه!!، بسبب تلك الدرجة قد تتضرر حياة الزوجة التي من السهل أن يتركها العمل لأنها ليست من أصحاب الدرجات. 

تابعنا وبشدة أزمات المنتدبين فى الفترات الأخيرة ( موظفين انُتدبوا لأماكن عمل جانب مسكنهم وبعد مرور سنين من الإخلاص فى العمل تم إنهاء انتدابهم وعودتهم لأماكن عملهم الأصلية البعيدة كل البُعد عن سكنهم بسبب عدم توافر (الدرجة)، مأساة يعيشها موظفين وموظفات المجتمع المدني، زوجة جاء لها تعيين فى محافظة البحر الأحمر ثم تزوجت واستقرت فى القاهرة واستطاعت بصعوبة عمل انتداب فى القاهرة كي تكون جانب سكنها، إذ فجأة بعد مرور سنوات يتم إنهاء انتدابها نظراً لعدم توافر الدرجة ولذا أصبح لزاما على الزوجة أن تترك أولادها، أصبح واجب عليها كي تذهب لعملها النائي أن تعيش فى محافظة وزوجها فى محافظة أخري، من أجل درجة وظيفية وُضعت فى قانون لا نعرف من أين اتي علينا، تُجبر الأم والزوجة أن تترك القاهرة وتعود مسرعة إلي البحر الأحمر وحيدة إلي عملها القديم دون النظر لأي روابط أسرية أو عوامل إنسانية بل إن شئت قل ولا أيضاً مصالح مادية !! نعم فهل يعقل أن موظف أخلص فى العمل على مدار سنوات، فهم متطلبات العمل وظروفه، عرف طبيعة الجمهور وكيف يتعامل معهم، هل من المعقول أن نقول لهذا الموظف الذي أصبح فى تعداد الخبرة أن يترك العمل غير مأسوف عليه، قد انتهي انتدابك وليس عندك درجة، لم تتوقف المشكلة عند حد المنتدبين فقط بل تعدتها، عند طلب هذا الموظف للنقل كي يسير بشكل أكثر استقراراً لعمله وحياته الاجتماعية يأتي له عاقب الدرجة مرة أخرى فى النقل وهنا تتصارع كل الجهات المعنية ( المنتدب إليها – المنتدب منها) على كنز ثمين وجائزة كبري ألا وهي الدرجة !! 

نجد الجهة المنتدب منها توافق على نقله ( اذهب بالسلامة) لكن اترك درجتك، أيضاً الجهة المنتدب إليها يكون ردها مماثل، أهلا بك عزيزي بيننا لكن بشرط أن تأتي بدرجتك معك!! هو نفس الموظف الذي كان منتدب لديهم بناء على رغبتهم واعطي واخلص للعمل، لكن عزيزي

( تعمل معنا نعم …درجة لا )

علي سبيل المثال ليس الحصر كان هناك معلم تعيينه الأساسي فى سوهاج وهو من محافظة الدقهلية، انتدب للمنصورة حيث أهله وزوجته وأولاده، ظل قرابة أربع سنوات فى الانتداب يعرف كيف يسوس الطلبة وطريقة توصيل المنهج لهم، واستقرت حياته، لكنه علم برغبة الوزارة إعادة المنتدبين إلي أماكن عملهم لعدم توفر درجات وظيفية، حاول المعلم المسكين أن ينقل ويستقر من سوهاج للدقهلية بدأ فى التقديم على النقل ولكنه فوجيء بالورق المطلوب، 

– موافقة جهة عمله الأصلية

-موافقة الإدارة التابع لها جهة العمل.

– موافقة مديرية التربية والتعليم بسوهاج.

– موافقة المحافظة فى سوهاج

– لجنة الشؤون والموارد 

ذلك فى جهة عمله الأصلية وليكن عليه تجهيز نفس الموافقات بالظبط من الدقهلية (الجهة المنتدب إليها) 

بعد عناء شديد و سنين تمر انتهي عند موافقة التنظيم والإدارة الذي أوصي بعدم توافر درجة مالية !! 

أكثر من سنتين من العذاب والانتظار والدوخة لمعلم مسكين كان يريد الإستقرار بين أهله وعائلته ليتم بعد كل هذا الرفض بسبب عدم توافر الدرجة !!

شىء تم اختراعه من قبل الروتين من الممكن أو السهل أن يلغي بجرة قلم، هو مجرد قانون إداري من السهل تغييره لصالح الموظف وخدمة العمل، هل من المنطقى أن يعمل موظف فى محافظة وسكنه فى محافظة أخري؟، هل فى صالح العمل أن نكدر مواظفينا ونعلمهم كيفية قطع المسافات الطويلة من أجل الذهاب للعمل؟ 

اليس أجدر بنا أن نتعامل مع الموظف أنه أهم عامل فى المنظومة والذي بدونه سيتوقف أو يفشل العمل، 

نرجو من الجهات الادارية إعادة النظر فى موضوع الدرجة الذي يقف عائق كبير أمام طموحات وعمل الشباب، نرجو من واضعي القوانين أن يتصفوا بالسهولة والمرونة فى وضع القوانين، هل من العقل أن يعمل موظف من الإسكندرية فى القاهرة أو يأتي أخر من المحلة يومياً إلى العبور؟.

نرجو من حكومتنا الموقرة التيسير على الموظفين وعدم مضاعفة متاعبهم، وليسهلوا نقلهم وفق مسكنهم ولتذهب تلك الدرجة الي الجحيم فهى ليست درجة من درجات الجنة أو منحة من العزيز الكريم.

 

نهى مرسي

نائب رئيس تحرير الموقع
زر الذهاب إلى الأعلى