عالم الفن

( الريحانى بين ” بديع و”بديعه” ومهزلة الضاحك الباكى )

( الريحانى بين ” بديع و”بديعه” ومهزلة الضاحك الباكى )

( الريحانى بين " بديع و"بديعه" ومهزلة الضاحك الباكى )
نجيب الريحاني

بقلم / عمرو نوار 

كان من امنياتى الدائمه ان تُعّلق لافتة -نام هنا -وليس عاش هنا – على ذلك الركن الاخير من كوبرى قصر النيل من اتجاه ميدان الاسماعيليه -التحرير لاحقا- فى هذه البقعه تحديدا قضى الريحانى عامين كاملين مفترشا الارض للفتره الممتده من موعد إغلاق المقهى الذى كان يجلس عليه طيلة النهار بشارع عبدالعزيز والمقابل لمسرح اسكندر فرح فى الثانيه صباحا فيذهب الريحانى ليفترش تلك البقعه على كوبرى قصر النيل حتى شروق الشمس ليعاود الجلوس على المقهى من جديد… ومن هذه البقعه وخلال العشرين عاما التاليه وصلت مدخرات الريحانى الى نصف مليون جنيه مصرى حتى ان استعراض ( حَمار وحلاوه ) والذى بدا عرضه يناير ١٩١٨ قد حقق دخلا لنجيب بمقدار ٤٠٠ ج وكان مبلغا يشترى عزبه حتى ان الناس اطلقوا مزحه ان الريحانى قد اشترى عزبه واسماها ( حَمار وحلاوه ) ..فى نفس التوقيت كان الريحانى يشترى أعمالا مسرحيه من صاحب جوقه مسرحيه يدعى ( جورج) ولم يكن الريحانى يصدق ابدا ان هذا الرجل بهذه السطحيه يكتب هذه الاعمال العظيمه والازجال العظيمه حتى جاء اليوم الذى اكتشف فيه الريحانى ان ” مدرسا مجهولا “باحدى المدارس الحكوميه هو الكاتب الحقيقى لكل الاعمال التى اعجب بها الريحانى وكان يدفع مقابلها ل ( جورج ) بسخاء وكان هذا المدرس المجهول هو الشاب ( بديع خيرى ) والذى لو عرفت وزارة المعارف انه يكتب قصصا

نجيب الريحاني

 مسرحيه وروايات هزليه وازجال لفصلته على الفور ..ولكن الريحانى وجد رفيق دربه فلم يفلته من يده ابدا..وعيّنه بمرتب خيالى -انذاك -وهو ثلاثون جنيها مصريا وما ان كتب ” بديع ” ل” نجيب ” أولى مسرحياته بامضاؤه الحقيقى -هذه المره- وكانت مسرحية ( على كيفك ) حتى امتلات مقاعد المسرح بشكل غير مسبوق ودرّت ربحا قدره ثلاثة الاف من الجنيهات وهو رقم قياسى لدخول المسارح فى ذلك الوقت ١٩١٨ وماان فرغ منها حتى قام بمغامره اخرى وهى تعيين ملحن شاب للفرقه بمرتب اربعون جنيها مصريا وكان ذلك الشاب هو ( سيد درويش ) وفى تلك الفتره قاد هذا الثلاثى العظيم باداء نجيب وازجال بديع والحان سيد ملامح انطلاق ثورة ١٩١٩ وكانوا وقودها الفنى الذى التحم بالجماهير وطموحاتهم الوطنيه وآمالهم ف الاستقلال .. وللتاريخ فإن الريحانى كان يحمل فى داخله منذ اللحظه الاولى لعشقه لفن التمثيل والمسرح هذا الشعور العالى بالوطنيه وكانت رغبته الدائمه فى ان يكون طعم الفن المسرحى المصرى ليس طعم الكرواسون والبطاطس السوتيه -على حد تعبيره فى مذكراته -وانما طعم البصاره والكشِك المصرى . وان يصّورهذا المسرح حياة الناس الاجتماعيه للمواطن المصرى البسيط الموظف والعامل والاسكافى وكأنه قد وجد ضالته فى قلم بديع خيرى وفكره وازجاله …بعد هذا التاريخ سافر الريحانى فى رحله فنيه الى لبنان عام ١٩٢٠ ليلتقى فى احدى الصالات الفنيه براقصه شابه اسمها ( بديعه ) ويعجب بها ويحضرها الى القاهره ولكنه سيتزوجها بعد قرابة عشر سنوات بعد ان شكّلا سويا ثنائى فنى تخصص فى التابلوهات الفنيه والاستعراضات وحيث انشغل عنه بديع فى كتابة مسرحيات للفنان على الكسار وشخصية عثمان عبدالباسط المبتكره والذى اسماها بربرى مصر الوحيد ..كنت اتمنى ان يلقى مسلسل (الضاحك الباكى ) لمؤلفه الكاتب محمد الغيطى ومخرجه المبدع محمد فاضل الضوء على ذلك الانتقال الزمنى والمعنوى والفنى بين مرحلتى ( بديع ) و( بديعه) خلال مشوار العبقرى رائد ومؤسس الكوميديا الاجتماعيه المصريه الفنان الكبير نجيب الريحانى وللاسف ان العمل وان كان محاوله جيده من الكاتب فإنه لم يستطع لمس تلك الجوانب من حياة الريحانى بعمق وقد سمعت مؤخرا الممثل الموهوب عمرو عبدالجليل يقول انه وافق على العمل فقط لثقته فى رؤية مخرجه الكبير وانه التقاه فساله ان كان يرى فيه القدره على اداء شخصية الريحانى فاشار له بالايجاب فوافق عبدالجليل والذى فى الحقيقه وان كان ممثلا ذو امكانيات فنيه مهاريه عاليه فانه لم يوفق البته فى نقل مايسمى بالتقمص الوجدانى للشخصيه ولم يذب عمرو فى نجيب فخرجت المشاهد فاقده لروح نجيب وطعم نجيب وفلسفة نجيب ..كان الديكور عاملا رئيسيا فى بهتان المشهد ولم يكن معبرا لا عن المرحله ولا عن الحدث المواكب لها فى السيناريو فتفرق دم الريحانى بين الغيطى وفاضل وعبدالجليل والذى ان كان يصلح لتقديم شخصية الريحانى فهو لايجب ان يتخطى تقديم مشوار الريحانى الى عام ١٩٣١ والاعوام التاليه الى وفاة الريحانى عام ١٩٤٩

نجيب الريحاني وعمرو عبد الجليل

وشخصيا كان سيقنعنى فى اداء هذه المرحله و-اظن انه كان سيقنع المشاهد ايضا -فنان مثل الفنان ” صلاح عبدالله “والذى تخصص فى هذا النوع من الكوميديا الاجتماعيه التى تبناها الريحانى قلبا وقالبا بدءا من الثلاثينات واصبح مؤسسها فى مصر والوطن العربى بعد ان هجر كوميديا الفارس الفرنسيه المترجمه بمبالغتها وضجيجها .. كان “عبدالله ” سيبدوا مقنعا لو شاهدناه فى كواليس ( لعبة الست ) و( سلامه ف خير ) و(سى عمر ) …ويبقى احترام هذا العمل ( مسلسل الضاحك الباكى ) بشكله الذى خرج به …من مبدأ ان شخصيه متسعة الزوايا ثلاثية الابعاد كشخصية العبقرى الريحانى يمكن تناولها من جوانب اخرى فى اعمال قادمه دراميا وسينمائيا ومسرحيا.

زر الذهاب إلى الأعلى