حمدي رزق يكتب: «أنا أشير إذًا أنا موجود»
الله يرحمه، الفيلسوف الفرنسى، «رينيه ديكارت»، الملقب بـ«أبوالفلسفة الحديثة»، فى ميزان حسناته تحديد نقطة بداية للوجود لأنه صاحب أشهر مقولة «أنا أفكر إذًا أنا موجود». وعلى فلسفته ومنهجيته نسير ونستحث الخطى فى تحديد نقطة بداية السوشيال ميديا فى الفضاء الإلكترونى الفسيح، مهمة وجودية فلسفية منبثقة، ونسخة مزودة ومنقحة من نظرية التشيير والانتشار الكونى.
ووفقًا لنظرية «أنا أفكر إذًا أنا موجود»، يمكن النسخ مع التحوير وإطلاق مقولة ستُعمّر طويلًا، ربما أطول من عمر ديكارت نفسه (تُوفى ١١ فبراير ١٦٥٠ عن عمر يناهز ٥٤ سنة)، مقولة «أنا أشير إذًا أنا موجود» وقبل أن تستلفتك المقولة الفلسفية العميقة، وتتعمق فيها أكثر من اللازم فتخبط رأسك فى قاع البانيو اللازوردى.
أُحيلك إلى كلمة شير «share»، التى تتكرر كثيرًا على فيسبوك ومواقع التواصل الاجتماعى، تحسها تحت باطك عندما يقوم شخص ما بطلب «شير» منك أو يخبرك بأنه قد قام بعمل «شير» على مواقع التواصل الاجتماعى، بمعنى القيام بمشاركة المنشور على صفحته الشخصية أو على صفحتك أو على صفة صديق آخر، كلنا أصدقاء، الأصدقاء الأعداء.
كما يمكن أن يشارك المنشور فى المجموعات، جروبات جروبات، كل جروب ينطح أخاه، وفى أى مكان صحراء كان أو «بستان»، فى فيسبوك نفسه أو آخر عبر وسائل التواصل الأخرى ويظل اسمه رغم التنكر بشنب الكبير أوى.. «شير».
الأصل فى كلمة «شير» أنها دخيلة غير عربية، إنجليزية محشورة فى الحلق، ومعناها بالعربية «يشارك»، «share» تُصنف فعل أمر، فعل فى اللغة الإنجليزية، لكن نظرًا لكثرة ظهوره فى المواقع العربية المختلفة فهو يُشار إليه بلفظ «شير» تسهيلًا وتعودًا عليه، ناهيك عن لغة (الفاء) (الفضاء)، مقابل لغة (الضاد).
وحتى لا تنسى فلا نأسى على ماضٍ ولّى، كلمة (كومنت) معناها تعليق ع المنشور، والـ(لايك) معناها إعجاب بالمنشور، وهذه هى الكلمات التى تجدها تتكرر بكثرة فى مواقع التواصل بلفظها الإنجليزى.
اللى ييجى من الغرب ما يسر القلب، ابتُلينا بالشير، كله يشير تشييرًا كثيرًا، وشير وأنا شير، وشعللها شعللها وولعها ولعها، شعور ما بعد الحريق أقصد الشير، ميكس بين الراحة بعد الحمام، والتحقق فوق قاعدة الحمام!.
«أنا أشير إذن أنا موجود»، أنا أشير إذن أنا موثر، فاعل، متفاعل، إحساس عميق فى الأعماق المظلمة بأنك مركز الكون، وتجلس بعد نوبة الشير مغمض العينين، تهطل عليك الليكات زخات، والتعليقات كالسيول، ومشاهدات على البهلى، ويُكتب اسمك فى اللوحة السوشيلية جوار المصابين بجنون العظمة الإلكترونية.
حمى الشير أصابت خلقًا كثيرًا، لا أتحدث عن العامة يشيرون فى طرقات المدينة، لكن عن الحطّابين يشيرون فى الجبال النائية، والفلاحين يشيرون فى مزارعهم، والعجائز يشيرون حول نار المدفأة فى ليالى الشتاء، تحس بجائحة تشيير، عدوى، الناس وشها فى المحمول وأصابعها بتلعب.. يموت الزمار وصوابعه بتشير.
حمى التشيير أصابت نفرًا من النخب النخبوية، قدرة هائلة على التشيير من مجرور الصرف الإخوانى الطافح بالكراهية، بثقة العليم يشير، وينتظر مشاركات مباركات، الواحد منهم قيمة وسيمة وعليه كرافتة ترد الروح، يشير، ويظل يشير ويشير حتى يُكتب فى الفضاء مشيراتى.
وينام قرير العين بعد أن أدى مهمته بنجاح فى خدمة المشروع الإخوانى.. وإذا سألته يقسم بأغلظ الأَيْمان: «أنا مش إخوان.. أنا مشيّراتى»، وفق قاعدة، «أنا أشير إذًا أنا موجود»!!.