دينا شرف الدين تكتب: بأى ذنب قُتلوا
{لو فى سلام فى الأرض وطمان وأمن
لو كان مافيش ولا فقر ولا خوف وجبن}
{لو يملك الإنسان مصير كل شىء ده أنا كنت أجيب للدنيا مية ألف ابن}
عجبى
لم أجد خيراً من هذه الكلمات التى تضمنتها رباعيات العملاق الراحل صلاح جاهين، لتعبر عن تلك الصورة المخيفة التى بات عليها المجتمع التى كانت فيما مضى مضرباً للأمثال.
فاستكمالاً لمفارقات وعجائب الزمن التى لا تتوقف عن النيل من شعب مصر، تلك الموجة المتصاعدة التى تعجز الألسنة عن وصفها وتدمى القلوب وتدمع الأعين لمجرد التفكير بها ويُصاب العقل بالشلل التام إن حاول البحث عن مبرر لارتكابها، حيث بات خبراً يومياً أساسيا تتداوله مواقع ونشرات الأخبار يمر على مسامعنا وكأنه أمرا مألوفا ليس حدثاً جللا تقشعر له الأبدان! فخلال الأشهر الماضية وقعت جريمتان من أبشع الجرائم فى تاريخ الإنسانية.
(قضية طفلى الشرقية):
“منهم لله، حرمونى من ضنايا اللى كانوا منورين عليا حياتى، دول عمرهم ما بعدوا عنى وكانت عينى عليهم فى كل حتة، وفى الأيام الأخيرة كنت تعبانة، ومش بخرج من البيت بعد إجراء عملية ولادة قيصرية، ويوم الواقعة كنا بنجهز لسبوع المولود الجديد ولقيت عمتى بتسأل على الأولاد قولت لها إنهم خرجوا يشتروا حاجة من بره، وبعد سؤالها قلبى وجعنى عليهم فسألت جارتى قالت مش لاقيينهم فى الشارع، وفضلنا ندور عليهم فى القرية والقرى المجاورة على أمل نلاقيهم، وفى الآخر رجعولى فى كفن، حسبنا الله ونعم الوكيل فى نفوس انعدمت من قلوبها الرحمة علشان يرتكبوا هذا الجرم فى حق أطفال أبرياء”.
كانت الكلمات السابقة لأم الطفلين المجنى عليهما فى واحدة من أبشع الجرائم الإنسانية، إذ تعود أحداث القضية لشهر سبتمبر من عام 2023، عندما تلقت الأجهزة الأمنية بالشرقية، إخطارًا يفيد بالعثور على جثة الطفلين “رحيم” 6 سنوات، وشقيقه “إسلام” 5 سنوات، بمياه ترعة الإسماعيلية، حيث اكشفت التحقيقات وتحريات المباحث أن وراء ارتكاب الواقعة “محمد. ص. م” 65 عاما، موظف بالمعاش، ونجله “خالد” 33 عاما، مقيمان فى شارع مقابل لأسرة الطفلين المجنى عليهما، وذلك نظرًا لاعتياد الطفلين اللهو أمام مسكن الأول والتعدى عليه بالسب ورشقه بالحصى بحسب أقواله. إذ تبين قيام المتهم الأول باستدراج الطفلين للمسكن بحجة مساعدته فى ملء إطارات دراجته الهوائية، ليتمكن من إبعادهما عن أعين المارة لارتكاب جريمته، وقام بضربهما حتى الموت، وساعده نجله المتهم الثانى فى نقل الجثتين على موتوسيكل، وإلقائهما فى مياه ترعة الإسماعيلية، وجرفهما التيار لمكان العثور عليهما.
(طفل شبرا الخيمة):
وكذلك واقعة العثور على جثة طفل 15 عامًا داخل شقة فى شبرا الخيمة، والتى بدأت بقيام المتهم بتصوير نفسه لايف مع متهم آخر بنفس العمر فى الكويت، وهو يقتل الضحية، ويستخرج الأحشاء من الجثة ويضعها بأكياس، حيث اعترف المتهم بارتكاب الواقعة بطلب من مصرى مقيم بدولة الكويت، كان قد تعرف إليه عبر أحد مواقع التواصل الاجتماعى الخاصة بتجارة الأعضاء البشرية، والذى طلب منه اختيار أحد الأطفال لسرقة أعضائه البشرية مقابل مبلغ خمسة ملايين جنيه، وعقب اختياره لضحيته وعرضه عليه عبر تقنية “الفيديو كول”، طلب منه المذكور إزهاق روحه تمهيدًا لسرقة أعضائه البشرية، على أن يتم نقل عملية انتزاع الأعضاء عن طريق تقنية “الفيديو كول” أيضًا، وأخبره بأنه سيتم إبلاغه بالخطوات التالية عقب قيامه بذلك، لكنه بعد أن قام بتنفيذ ما طلب منه، كلفه بتكرار الأمر مع طفل آخر ليحصل على المبلغ المتفق عليه، إلا أنه تم ضبطه قبل قيامه بذلك. ولم تعثر النيابة العامة بمعاينتها على أية تجهيزات طبية تشير إلى أن المقصود هو تجارة الأعضاء البشرية.
واعترف المتهم الذى حرض المتهم الآخر بمصر على عملية قتل الطفل الذى جاوز الخامسة عشر من عمره أنه من أوعز لمرتكب الجريمة بارتكابها قاصدا من ذلك الاحتفاظ بالمقاطع المرئية لواقعة قتل الطفل المجنى عليه والتمثيل بجثمانه، كى تسنح له فرصة بيعها ونشرها عبر المواقع الإلكترونية التى تبثها مقابل مبالغ مالية طائلة.
مؤخرا..
حادثة فتاة الأوبر التى تصدت لمحاولة التحرش والاغتصاب، والتى تعد الأحدث بسلسلة ضحايا انعدام الأمان وفساد الأخلاق.
وغيرهم الكثير من الجرائم البشعة التى تتزايد يوماً بعد الآخر، لتزداد فجوراً وقسوة من التى سبقتها.
– هل ندرك مسببات الكارثة التى ما زالت مستمرة على أشُدها لنقف على الحلول القاطعة؟
وإن قتلناها بحثاً فلن نجد حلولاً ناجزة سوى تطوير “الخطاب الدينى”، الذى وُعدنا سنوات بتجديده، لكنه لم يتبدل به شيئاً سوى ملابس الدعاة اللهم إلا قليلا، لتعريف أجيال جديدة بجوهر دينها الحق واستردادها من الخروج عنه والتمرد عليه والنفور منه بفعل مجموعة من السفهاء المنفرين!
وإعادة صياغة منظومة التعليم كما نحلم ونتمنى وبما يليق بتطلعاتنا لمستقبل أفضل وأجيال جديدة من المتعلمين بحق ليس مجرد أعداد من الجهّال الحاملين للشهادات الجامعية!
والأخلاق التى اختفت ولم يعد أحد يعرف عنها أى شىء بتلك السنوات الثقال وتحديداً لدى الأجيال الجديدة التى لم يسعدها الحظ لتتربى على منظومة الأخلاق المصرية التى كان يتميز بها هذا الشعب الطيب، قبل أن تنال منه آفات التدنى والفساد سنوات طويله، لتتركه شعباً آخر بمواصفات وأخلاق أخرى.