النسيان: نعمة أحيانًا ونقمة أحيانًا أخرى

كتبت: دنيا أحمد
النسيان سمة بشرية لا تخلو منها نفس، وهو جزء لا يتجزأ من تجربتنا اليومية. قد ننسى موعدًا مهمًا، اسم شخص، أو ذكرى مؤلمة، وقد يحمل النسيان في طياته راحة من ألم أو خسارة، أو يكون سببًا في ضياع فرصة أو تكرار خطأ. ما بين النعمة والنقمة، يظل النسيان ظاهرة معقدة تستحق التأمل والفهم، خاصة لما لها من أثر بالغ على حياتنا الشخصية والاجتماعية والنفسية.

النسيان ليس مجرد عارض عابر، بل عملية عقلية تحدث لأسباب متعددة، منها ما هو نفسي، ومنها ما هو بيولوجي أو نتيجة لضغوط الحياة المتسارعة. فقد ينسى الإنسان بفعل التشتت الذهني، أو نقص التركيز، أو حتى بسبب تعرضه لصدمات نفسية تدفعه إلى كبت الذكريات المؤلمة.

لكن النسيان في بعض الأحيان يكون هبة إلهية، تُمكِّن الإنسان من تجاوز المحن والصدمات. تخيل لو أن الإنسان لم ينسَ آلامه وأحزانه! كيف كان سيتمكن من الاستمرار؟ لولا النسيان، لعاش البشر في دوامة من الألم لا تنتهي.

على الجانب الآخر، فإن النسيان قد يكون سببًا في مشكلات حياتية كبيرة؛ كنسيان الالتزامات، أو العهود، أو حتى التفاصيل التي تُبنى عليها قرارات مهمة. وقد يصل الأمر إلى حد الإصابة بأمراض مثل الزهايمر، الذي يمثل تحديًا نفسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا للأسرة والمجتمع.
وفي ظل هذا التناقض، يظهر دور الإنسان في محاولة التحكم في ذاكرته، من خلال التغذية الصحية، والنوم الجيد، وممارسة التمارين العقلية، إلى جانب تدريب النفس على التركيز والانتباه.
في النهاية، النسيان ظاهرة طبيعية، لا مفر منها، لكنها تحمل أبعادًا متعددة بين الإيجابي والسلبي. وإذا كان الإنسان لا يملك القدرة على منعه تمامًا، فإنه يستطيع التعايش معه، وتوظيفه لصالحه أحيانًا، والتقليل من آثاره السلبية أحيانًا أخرى. فبينما ننسى ما لا يُنسى، علينا أن نتذكر ما لا ينبغي نسيانه.






