قصة قصيرة ” عندما أفلت الشمس” بقلم: صفاء عبد الصبور
” عند مطلع الفجر كل شئ سيكون على ما يرام؛ ملائكة السلام والسكينة سَتحوم حولى وقطرات الندى ونسمات الهواء البارد ستغسل أحزانى وقلوبهم الغُلف سيجعلها الله تلين.
جلست أطالع وجهه الساكن وشفاه التى تريد التفوه لكنها صامتة إلى الحد الذى أصبح يُريعنى.
همست..يارفيق الدرب إنها ليلة رأس العام الميلادى وإنه ليملأنى الأسف حيث أن هذا العام لن أحتفل معك، فها أنا كما تراني ذَبُلت وشاخت روحي و ملامحى اكتست بالشحوب و التجاعيد التى لم أفلح في إيجاد حلًا لها، كما أفلحت في إيجاد حيلًا لخصلات الشعر الأبيض فواريتها بصبغات الشعر.
وحتي إن حاولت التكلف وارتداء ملابس تظهرنى أصغر من عمرى لن يُجدي ذلك بل سيبدو سخفًا، لذا أنا لن أٌحملك ما لا تُطيق فأنا أعلم كم أنت رجل يُحب الحياة المفعمة التي تنضخ شباب وحيوية، أعرف نقاط ضعفك جيدًا بل أجدنى مشفقةً عليك ومتألمة لأجلك.
ها أنا كما تري شِخت مبكرًا، لا أدري لمَ حدث ذلك سريعًا!! ربما بسبب الأعباء الثقيلة التي كانت مُلقاة علي كاهلي من مسئوليات تدابير المنزل و تربية الأبناء، ربما أيضًا بسبب عصبيتي الزائدة وقلقي الدائم عليهم ولكن كان ذلك من أجل مصلحتهم ومصلحة المنزل.
ربما أيضًا لأنني لم أكن اعتنى جيدًا بصحتي وكنت أقوم بأدوار إضافية لأجلكم .. لأجل مصلحتنا العُليا؛ أتتذكر هكذا كنا دائمًا نقول (مصلحتنا العُليا ) وكم كنت أجد في هذه الكلمة طُمأنينة كبيرة وميثاق غليظ ووعود بالبقاء.
من أجل ألا أثقل عليك قمت أنا بدور المعلمة الخصوصية لأبنائنا لتخفيف الأعباء المالية عنك وكنت أصنع لهم الحلوى والمعجنات وأتعلم الكثير من الطبخات كى لا تضطر لتحمل نفقات الوجبات الجاهزة. كنت أرى أنه من المودة أن أكن ظِلك وحائط مبكاك وأتقمص أدوارك كأب ورب للأسرة وقائد لأخفف عنك ثقل الحياة وكبدها، كم كان يُثلج صدري ثناءك عليّ ويُنسيني كل عنائي ويدفعنى لبذل المزيد والمزيد، وعندما كنت تُخبرني أنني كل شئ بالنسبةِ لك كان ذلك خير إطراء تستعذبه أذنى وخير مكافأة.
من كثرة الضغوط كنت لا أكترث لزيارة طبيب الأسنان حتي فوجئت بالنهاية بفقدي أغلب أسناني وضروسي، كنت لا أعبأ بالغذاء الصحي لأجل أبنائنا فكنت أدخر لهم كل شئ فصحتهم كانت بالنسبةِ لى الأهم، أهملت كثيرًا العناية ببشرتي وشعري لذلك أجد أنها نتيجة عادلة أن يصير مظهري علي تلك الشاكلة ولكن كان ذلك من أجل ألا أحملك مصروفات زائدة عن الحد لمستحضرات التجميل والعناية بالبشرة والشعر.
أود أن أخبرك أمرًا .. رأيتك بالأمس تمضي بخُطي مثقلة وعينين زائغتين تحاول الفرار عن أعينى و تتلعثم شفاهك وترتجف يديك، لا عيلك.. لمَ كل هذا العناء ! لا يستحق الأمر كل هذا الحنق والإرتباك، بل لا أجد غرابةً في أن تغتنم حقوقك في الزواج مرةً ثانيةً بل إنك تمتلك مبررات قوية لذلك، فقد بدأت رفيقة دربك في مرحلة عمرية جديدة لا تٌناسب وهجك وطاقتك وحبك للحياة وبريقها.
صدقًا أخبرك أنني مؤهلة لهذه النهاية، بل أجد أنه أمر منطقي ومآل طبيعي أن يحدث ذلك هيا ابحث عن آخري أجمل مني وأكثر شبابًا وحيوية ولكن بالله عليك أخبرها أن لا تنفق عمرها وصحتها دون حساب.
امضِ ولا تُبالي.”