احتلال الشعوب أم احتلال الجيوش ؟!!

كتبت / د. محمد كامل الباز
وقف رجل أعلي ربوة فى مدينة غرناطة بالاندلس…وقف ينظر من تلك الربوة العالية تجاه هذا القصر الجميل….ثم اجهش في البكاء حتي ابتلت لحيته، هنا وقفت أم عبد الله الصغير ذلك الأمير البائس قائلة له: “ابكي… ابكي كالنساء علي ملك لم تحافظ عليه كالرجال….”
ذلك المعلم موجود حتي الأن في اسبانيا بإسم “زفرة العربي” ويحتفل به ثانويا بذكري رحيل العرب والمسلمين عن الأندلس…
نعم بعد قرابة ثمانى قرون كانت عامرة بالحضارة والتقدم في شتي الميادين استطاعت ايزابيلا وفرناندو القضاء على آخر وجود اسلامي فى بلاد الاندلس بعد ان وقعت معاهدة مع عبد الله الأحمر تتعهد فيها بالحفاظ على المساجد والحقوق العربية للمسلمين فى بلاد الاندلس … لكن ماهي إلا سنوات قليلة حتي انقلب الملكين على عهودهما التي أشرف البابا بنفسه على ضمان تنفيذها، وقدموا للمسلمين في غرناطة اختيار من ثلاثة:
* الهجرة والخروج من بلدهم بلا رجعة.
* أو التحول للمسيحية.
* وأخيرا القتل والعذاب.
هاجر بالفعل البعض وتحول الآخر إلي المسيحية (موريسكيين) ولكن الكثير منهم تحول في الظاهر وكتم إسلامه… وهنا بدأت ايزابيلا وفرناندو التنقيب حول هؤلاء واعلان محاكم التفتيش (أبشع محاكم في التاريخ) عذاب شديد لا يصدق ولا يتخيله بشر لكل اندلسي يبطن الاسلام ويظهر المسيحية، لو تم ضبط مصحف في منزله، لو عرف عنه أنه لايشرب الخمر، لو لوحظ أنه يصوم رمضان، بل أحياناً لو شوهد واقف تجاه القبلة !! يتم التعامل معاه بأقسي السبل، عذاب لا يخطر علي بال بشر، فى غضون سنين تم محو أي وجود إسلامي فى الاندلس بل وتم استبدال أي مسلمين راحلين بغيرهم من الشمال الاندلسي، كانت من أصعب أنواع التهجير القسري التي تم فيها استبدال شعب مكان اخر، تم ازاحة صاحب الأرض والديار بآخر غريب لا يعرف الأرض لم يدخل الدار سابقاً…
لو كانت مأساة الاندلس وشعبها في احتلال جيوش فرناندو لهانت مهما طالت المدة، احتلال الجيوش فى الأول والآخر يظل ضيفا حتي وإن كان ثقيلا ولكنه إلي زوال.. لكن ما حدث في الاندلس للأسف كان احتلال شعب وحياة كاملة، حضارة ومؤسسات شيدها المسلمون فى الأندلس اختلسها فرناندو وايزابيلا عل الجاهز، جاءوا من الشمال ليحصدوا تعب شعب غرناطة بل يطردوهم من ديارهم،،، ذلك الغزو الذي لم يشهد التاريخ مثله إلا فى القرن الماضي،
نعم وبالتحديد في بداياته حيث تم التخطيط والإعداد فى بداية القرن العشرين لزرع شعب فى مكان شعب آخر، تم التمهيد لوضع أبناء العم سام داخل أرض فلسطين المقدسة!! تعرضت فلسطين مثل باقي الأمة العربية للاحتلال الذي جثم على ظهورها عدة عقود لكن الجيوش والدبابات خرجت فى النهاية لتحل محلها الصهاينة والعصابات، بالتحديد عام ١٩٤٨ تم استيقاظ الفلسطينيين على أناس جاءوا لهم من شتي بقاع العالم يطالبوهم بترك ارضهم وحياتهم ليحلوا محلهم، استبدل شعب بشعب اخر، تم دعوة اليهود من كافة أنحاء العالم كي يستلموا أرض وبلد جاهزة للحياة مباشرة، يقال ان الوحدة الإدارية فى فلسطين كان قبل قيام إسرائيل ٤٨ بها المكتب والكرسي ودولاب الورق وكل شيء والموظف الفلسطيني ولكنها بعد قيام اسرائيل وفي غضون أيام أصبح المكتب كما هو والكرسي والدولار والأوراق كذلك لكن من تغير هو الموظف الفلسطيني ليحل محله الموظف اليهودي !!!
ان احتلال الجيوش يكون طمعا في نفط او دهب أو أي ثورات أو مصالح جغرافية، قد يستطيع المحتل أن يستولي عليها ثم يعود من حيث آتي لكن احتلال الشعوب هو طمع في الحياة بأكملها، طمعا في الارض والذكريات ..فى نسمات الهواء وحتي في كل الأمنيات..
تم طرد شعب فلسطين ووضعه في شريط ضيق يشبه مساحة الاسكندرية، لتصبح أكثر بقعة في العالم تكدسا بالسكان، وياليت هذا المحتل قد قنع بكل تلك السرقة والاحتلال بل يريد أخذ هذا الجزء أيضاً ليكمل سرقته الكاملة،
نخشي أن يذكرنا التاريخ كما ذكر أبو عبد الله … نخشي بعد مئات السنين أن يدرس احفادنا أننا شاهدنا ما حدث لفلسطين وبكينا عليه بكاء النساء حيث لم نقف أمام المحتل وقفة الرجال..





