- جائحة فيروس كورونا
- الحاضر يعلم الغايب العاصفة ستزول ولكن العالم لن يعود إلى ما كان عليه.
الحاضر يعلم الغايب العاصفة ستزول ولكن العالم لن يعود إلى ما كان عليه.
الحاضر يعلم الغايب .. ستنتهي العاصفة ولكن العالم الذي كنا نحياه لن يعود كما كان. تاريخ الأزمات التي تعصف بالجنس البشري يساهم في تشكيل ذاكرة الإنسان وسلوكه وتصوراته. المتأمل لتاريخ الجوائح عبر التاريخ يلاحظ أنها تتزامن مع تحولات دولية كبرى على صعيد التحالفات الدولية وعلى صعيد نمط التنمية الاقتصادية والتحول التقني الاجتماعي. فمثلاً الطاعون في القرن السادس ميلادي تزامن مع انهيار الإمبراطورية الرومانية. وطاعون عمواس عام 630، رسم ملامح العلاقة بين عالم الغيب وبين عالم العقل في عملية العمران الاجتماعي .
من خلال تأمل مواقف الصحابة أبو عبيدة وعمرو بن العاص. وكذلك فإن طاعون الموت «Black Death» عام 1384 كان يعتبر تمهيداً لتغيير بنية الاقتصاد وانتهاء عصر الإقطاع وقضى على ثلث سكان العالم «100 مليون»، والإنفلونزا الإسبانية عام 1918، رافقت تشكيل عالم جديد على صعيد اقتسام النفوذ والجغرافيا السياسية وميزان القوى الدولية وشهد بداية حروب كونية وبداية قضية فلسطين عبر صياغة وعد بلفور واتفاقية سايكس بيكو.
شهد القرن الواحد والعشرين العديد من الأوبئة
ومع بداية القرن الواحد والعشرين شهد العالم أوبئة مختلفة مثل الإيدز وإنفلونزا الطيور والخنازير وسارز وأيبولا. والآن في مطلع عام 2020 نعيش في جائحة فيروس كورونا (كوفيد19) التي تقتحم العالم بصمت حيث عطلت مرافق الحياة والاقتصاد والنقل وألغت عولمة السوق وبرزت الحاجة لنموذج جديد للتنمية وجعلت بلايين البشر في حجر صحي إجباري كأننا نعيش كابوساً مزعجاً أو فيلم خيال علمي من هوليود. أدرك الناس مدى هشاشة اقتصاد السوق ومدى الضعف البشري والحضارة الإنسانية وذكرتنا بعاقبة الأمم السابقة مثل عاد وثمود التي محاها الزمن وأضحت عبرة لمن يعتبر. هناك عدة مشاهد للمستقبل، قد نشهد تصاعداً لدور الصين وانحساراً لدور الاتحاد الأوروبي وبروز للدولة القومية وسيادة تقنيات مربكة في مجال مراقبة «surveillance» البشر وزيادة في فهم دور العلوم في التنمية وزيادة في الوعي الوجودي.
الحاضر يعلم الغايب
وفي خضم جائحة فيروس كورونا (كوفيد19) يبرز علم استشراف المستقبل وعلم فهم وتفسير الظواهر. ولعل أهم هذه التفسيرات للجائحة يكمن في ثلاثة مدارس .. المدرسة الأولى هي الروحية، والثانية هي مدرسة نظرية المؤامرة، والثالثة هي المدرسة العلمية الواقعية.
المدرسة الأولى
ترى أن تفسير هذه الجائحة على أنه عقوبة إلهية لأن الفساد ظهر في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس، وجاءت هذه الجائحة كي تصوب البشرية البوصلة وتوازن بين عالم الروح والمادة ويدرك الإنسان أن إلى الله المنتهى وإليه الرجعى وليس لنا إلا الفرار إلى الله. وأن سبب هذه الجائحة هو ابتعاد الإنسان عن الطعام الطيب الحلال حسب ما جاء به الوحي تماماً كما أن مرض نقص المناعة المكتسبة الإيدز «HIV-AIDS» هو نتيجة تنكب الانسان للعلاقة الحلال الطبيعية بين المرأة والرجل وهذه المدرسة تركز على أنه كلما ابتعد الإنسان عن حلول الفطرة «Natural state» كلما غزته الأمراض كي يرجع الإنسان إلى صوابه ورشده بعد أن رأى وعاين آيات الله البينات وشهد ضعف الطالب والمطلوب.
المدرسة الثانية
والتي تتبنى منطق نظرية المؤامرة فهي ترى أن هناك قوى خفية من المتحكمين في الثروة والنفوذ في العالم تريد تغيير النظام المالي وتحويله إلى عملة رقمية وتلغي نظام التقاعد في الغرب المكلف عبر نظام جديد يتخلص من الأعباء والالتزامات المالية للمتقاعدين وأنها حرب اقتصادية على الصين كي لا تتفوق على أمريكا. وترى هذه النظرية أن سبب هذه الحالة يكمن في ترويج تقنيات مراقبة جديدة عبر الذكاء الصناعي لمراقبة حركة وسلوك البشر وهذه الجائحة هي مجرد اختبار لهذه التقنيات الذكية أو قد تكون مجرد تجريب لحرب بيولوجية.
المدرسة الثالثة
وهي العلمية الواقعية فهي ترى أن هذا تطور متوقع للفيروس وقد يكون انتقل عبر الحيوان أو نتيجة الموجات الكهرومغناطيسية لأنظمة الاتصالات والأقمار الصناعية. لكن تدرك هذه المدرسة على أن المعركة هذه الأوبئة لم تنته وأن من المتوقع أن تظهر أوبئة جديدة بعد حين. لذا سيواصل العلم والبحث في علم الجراثيم والصحة العامة البحث عن لقاحات جديدة، للحد من أثر الفيروس تماماً كم نجح في التصدي للعديد من الأمراض مثل السل والجدري والكوليرا والملاريا.
وهذا يبرز أهمية الاستثمار في البحث والتطوير والصناعات الدوائية وتظهر جلياً أهمية العلم والبحث والابتكار في نهضة الأمم. وقد يكون تفسير هذه الظاهرة هو جملة هذه التفاسير فهي ليست منفصلة تماماً فهناك بعد غيبي وهناك صراع بين القوى الاقتصادية وهناك أثر سلبي للنشاط البشري نتيجة أخطاء عن قصد أو عن غير قصد.لكن لقد علمتنا هذه الجائحة أننا متساوون وأننا ضعفاء، وكلنا نعيش نفس الهم الإنساني على ظهر هذا القارب وعلينا أمانة ومسؤولية في عمارة الأرض وتحقيق الكرامة الإنسانية والعيش المشترك.
خلاصة القول الحاضر يعلم الغايب..هذه العاصفة ستزول ولكن العالم لن يعود إلى ما كان عليه.
فمثلاً التباعد الاجتماعي
Social Distancing سيستمر وسلوكيات النظافة والتعقيم والخدمات الحكومية عن بعد والابتكار الاجتماعي
Social Innovation قد تصبح جزءاً طبيعياً من حياتنا الجديدة. ذاكرة الأزمة ستنقش في العقل البشري تضاريس جديدة وممرات يتعرف فيها الإنسان على غاية وجوده وقيمة العلم والتقنية وعلى أهمية الدولة والتعاون الدولي. ولكن من المهم كذلك أن يدرك العالم العربي أهميته ودوره في تطوير منظومة جديدة للتنمية المستدامة تحقق التراحم الإنساني وأخلاقيات العلوم ومبنية على التوازن بين الروح والعقل والابتكار في عالم جديد متغير.