مال واعمالمقالات

الدولار وأزمة البضائع في المواني المصرية

الدولار وأزمة البضائع في المواني المصرية

الدولار وأزمة البضائع في المواني المصرية
المواني المصرية

دكتور/ ماهر جبر

عانى الإقتصاد المصري في الفترة الأخيرة من مصاعب متعددة تمثلت في ارتفاع الأسعار بشكل مبالغ فيه خاصة السلع الاستراتيجية كالقمح والزيوت وغيرها، كل ذلك رجع الى انخفاض قيمة الجنيه المصري بل نستطيع القول انهياره أمام الدولار، وكي نكون محقين لا نستطيع القول بأن قيمة الدولار قد ارتفعت أمام الجنيه، بدليل ثباته أمام كثير من العملات الأخرى، انما فقط نؤكد انخفاض قيمة الجنيه أمام الدولار، ويعود السبب في ذلك لعدة اجراءات اتخذتها السلطات المختصة بشكل غير مدروس وذلك بشكل تدريجي منذ التعويم الأخير في 2016، وكان الهدف من ذلك هو الحفاظ على قيمة العملة المحلية(الجنيه المصري) في مقابل الدولار، لكن هذه الاجراءات أدت الى نتائج عكسية فاقمت الوضع وزادته سوءاً، فقد أصدر البنك المركزي في فبراير 2022 حزمة قرارات لتقليل الاستيراد وتوفير العملة الصعبة.

غير أن أخطر هذه القرارات والتي أدت لنتائج سيئة تمثلت في تكدس البضائع في المواني هو القرار الذي اتخذ في 13 فبراير 2022 بوقف العمل بمستندات التحصيل، واللجوء لآلية الاعتماد المستندي، وهو القرار الذي توهمت الجهات المسئولة منفعته، ثم اتضح بعد ذلك أن هذا القرار أوجد نقصاً كبيراً في الدولار في مصارف الحكومة مما أدى الى عودة السوق السوداء ثانيةً نتيجة كثرة الطلب على العملة الصعبة من المستوردين لتغطية عمليات الاعتماد المستندي.

الدولار وأزمة البضائع في المواني المصرية
المواني المصرية

فما هو الفرق بين مستندات التحصيل والاعتماد المستندي ؟

مستندات التحصيل تعني أن شخص المشتري أو المستورد يقوم بدفع جزء من قيمة الشحنة للمورد الاجنبي عن طريق البنك الذي يتعامل معه، ثم يتم دفع باقي العمولة عند وصول الشحنة الموردة واستلامها وبالتالي توفرها في الأسواق مما يؤدي الى زيادة المعروض منها واستقرار وثبات أسعارها، بينما اللجوء لآلية الاعتماد المستندي فيعني قيام المستورد بفتح اعتماد بنكي بكامل قيمة البضائع مما يزيد الطلب على العملة الصعبة فترتفع قيمتها أمام العملة المحلية.

ونتيجة لأزمة الدولار تكدست البضائع في المواني مما كبد المستوردون خسائر فادحة بجانب تلف البضائع وغرامات التأخير، والكشف على هذه البضائع، وايجار الأرض المرتفع التي يقوم المستورد بوضع السلع عليها، وهذا يؤدي لتحويلها الى مكان غير مفيد معرضاً اياها في النهاية للبيع في المزاد بأسعار زهيدة تكبد صاحبها خسائر فادحة، وتحملهم كذلك تكاليف التخلص منها على حسابهم.

غير أن تكدس البضائع في المواني لم يضر بالمستوردين فقط، بل وصل ضرره للجميع فنقصت البضائع في الاسواق مما جعل المعروض منها قليل مقارنة بكثرة الطلب عليها، فزادت أسعار السلع بشكل كبير خاصة السلع الضرورية كلبن الاطفال والدقيق والزيوت.

الدولار وأزمة البضائع في المواني المصرية
المواني المصرية

لذا كان القرار الصادر بالغاء العمل بمستندات التحصيل سبباً في تراكم بضائع قيمتها 15 مليار دولار مما أدى لخسائر فادحة للمنتجين والمصنعين والمستوردين وكذلك المواطنين، ولم تحم الجنيه من الانهيار ولا الدولار من الارتفاع بل بالعكس زادت الطين بلة على حد قول الخبير الاقتصادي أحمد خزيم.

وان كان قد تم الافراج عن أغلب البضائع المتكدسة في المواني، الا أن ذلك لن يكون سبباً في استعادة العملة المحلية لعافيتها مباشرة، ذلك أن الدولة عليها التزامات كثيرة مطالبة بتنفيذها قبل الدائنين، أيضاً مسئوليتها عن توريد السلع الغذائية الاستراتيجية وكذلك الوقود، وبالتالي فان الزيادة على طلب الدولار ستكون مستمرة مما يقدح فكرة زيادة وارتفاع قيمة الجنيه أمام الدولار.

لذا لجأت الحكومة مرة أخرى الى قبول عمليات الدفع المباشر وعودة العمل بمستندات التحصيل لتنفيذ كل عمليات الاستيراد، كما تلجأ الدولة كذلك لاجراءات أخرى لجذب العملة الصعبة كما حدث في نهاية العام الماضي لبيع قطع أرض في مدينة السادات لمستثمرين أجانب بهدف بناء مشاريع سكنية كبيرة عليها، على أن يتم سداد الثمن بالعملة الصعبة، كذلك قدمت الدولة عرضاً بإعفاء سيارات المصريين المقيمين في الخارج والتي تم استقدامها من الدول التي يعملون بها من الرسوم والجمارك، وذلك بشرط ايداع مبلغ نقدي مساو لقيمة تلك الرسوم بالعملة الصعبة على أن يتم استردادها بالجنيه المصري بعد خمس سنوات بسعر صرفه في حينه وبدون الحصول على فوائد عن تلك الفترة.

الحل اذاً يكمن في عودة العمل بمستندات التحصيل والغاء العمل بآلية الاعتماد المستندي وأن يكون سعر صرف الدولار مرناً ارتفاعاً وانخفاضاً حسب وضع السوق عامة، وهو ما تم بالفعل حين أعلن البنك المركزي المصري على موقعه الالكتروني في وقت سابق نهاية العام الماضي من أن الحكومة ستسمح بالعودة لوسيلة الدفع المباشر وقبول مستندات التحصيل والغاء العمل بالقرار الصادر في فبراير 2022.

نجني إذاً نتيجة القرارات الغير مدروسة

زر الذهاب إلى الأعلى