المال والبنون أم الحشاشين
كتب/ د. محمد الباز
زي ما بيقولوا كده مفيش حاجة بتفضل علي حالها، سبحان الذي يُغير ولا يتغير، ومن تلك المتغيرات شكل الدراما والحركة الفنية فى مصرنا الحبيبة خلال العقود الأخيرة، مواضيع المسلسلات، أسلوب الإخراج، شكل الكادرات، حتي إيقاع الفنانين؛
من المفترض أن كل تلك المتغيرات تكون سبب فى النهوض بالفن، هل حدث هذا بالفعل؟
لم نسمع فى مسلسلات زمان عن كل تلك الدعايات الإعلامية التي تُوجه للأعمال الحالية، لكنها فى نفس الوقت كانت أعمال ذات هدف، بل وقيمة فنية كبيرة، لم نجد فيها لفظ خادش أو فنان يتجاوز، لم نتعرض فيها لإرهاب فكري أو ضغط منهجي لتقبل فكرة بذاتها؛ لم نشاهد تصوير محترف بين قارات العالم ولكننا شاهدنا مباراة فى الإبداع بين أبطال العمل.
فى وقت السحور وبعد منتصف الليل حيث يصبح الجو هادئاً كانت هناك مفارقة غريبة وتحول زمني كبير شعرت به عندما تنقلت بين قناتين فى التلفاز مختلفين تمام الاختلاف، القناة السابعة ( تلفزيون الصعيد) حيث الإمكانيات المحدودة والجودة المتواضعة للصورة، تشعر وأنك فى حي شعبي به أسر مكافحة تجاهد لتعلم أولادها فى حدود إمكانتها، حيث تعرض القناة مسلسل( المال والبنون)، باكيدج كده على بعض تأخذك لأوائل التسعينات، تأخذك لحياة مختلفة وأهداف محددة، دراما متكاملة تخرج منها بالعديد من الفوائد، فى نفس الوقت كنت اتنقل للعالم الموازي، قناة (دي أم سى)
حيث تشعر كأنك خرجت من الحي الشعبي ودخلت أحد الكومباوندات الفاخرة، جودة الصورة، إعلانات تخرجك لعالم غريب، بذخ إنتاجي، وبين كل تلك الأمواج من الإعلانات التي لا تنتهي وجدت أخيراً مسلسل الحشاشين، كادرات مختلفة، إنتاج أقل ما يقال عنه أنه ضخم، لكن للاسف لم أجد شىء أخر، اختلاف فى كل شىء وكأن الزمن تغير والدراما تغيرت ليس فقط فى جودة الشاشات والكادرات لكن أيضاً فى الأهداف والموضوعات، عندما أخذت اتنقل بين المسلسلين، وجدت الريموت يطالبني بالتوقف فى القناة السابعة، لا يهم جودة الصورة أو قلة الإنتاج، لكن الأهم متانة العمل وصدقه، عمل اجتماعي بحت خرجت منه كل حلقة بمفهوم جديد، عمل لم يتكلف الملايين ولم يحرق دمي كل دقيقة بإعلانات عن اناس تعيش فى المريخ استطاع أن يجذبني ويجعلني استقر عنده،
وبالطبع كلما أردت اتفقد العمل الأخر واتطلع للحداثة وما قدمه الإنتاج الضخم، أصبت بدهشة وصدمة، الحشاشين مسلسل تاريخي ذات طابع إسلامي ولا يقنعنا صناعه أنه ليس كذلك، لأن الحديث عن فئة مارقة عند الدول الإسلامية فى العصر العباسي من الصعب أن تفصلها عن مقومات ذلك المجتمع وطبيعته، لم اسمع حديثاً شريفاً يفيدني، لم تقع عيناي على رجل يركع لله، لم أسمع فتوي استفيد منها أو شىء فى العقيدة يويد من معلوماتي،
المفاجأة إني سمعت ورأيت هذا فى مسلسل المال والبنون المصنف إجتماعي، سمعت الدكتور إمام يستشهد بمواقف النبي ويذكر أحاديثه صلى الله عليه وسلم، رأيت عبادة العقاد يصلي الفجر يومياً ويربي أولاده على التقوي والرزق الحلال، شاهدت فى عم عباس الضو الرجل الكبير الذي لا يفقه شىء فى الدين ينشأ أولاده على تحري الحلال وتجنب معصية الله، والله ما سمعت هذا من الإمام الغزالي كما يظهرونه فى الحشاشين، استطاعة القناة السابعة محدودة الإمكانيات أن تقدم لي كمشاهد من خلال المال والبنون مالم تقدمه ال دي أم سي من خلال الحشاشين، خرجت من قناة متواضعة ومسلسل لم يتكلف الكثير بأضعاف ما خرجت منه فى قناة متمكنة ومسلسل ضخم انتاجيا، قدمت المال والبنون فكرة المال وضرورة تحري الرزق الحلال وأن الحرام لا يدوم بينما قدمت الحشاشين كادرات وأماكن تصوير فقط، وجدت أناس تثني على نظرة كريم عبد العزيز وصمته وكأني أمام انتوني كوين الشرق بينما كان هناك ملحمة فنية مكتملة الأركان فى المال والبنون بدون إثناء أو لجان من العبقري عبدالله غيث والمخضرم يوسف شعبان مروراً بالموهوب الصاعد وقتها أحمد عبد العزيز وصولاً لأصغر دور فى المسلسل، تفوقت المال والبنون فى كل شىء، واجبرتني كمشاهد أن أوقف الريموت عندها، لم يتساوي عندي عمل فني ناقش فكرة الحلال والحرام، وتأثير المال الحرام على حياة أصحابه، بعمل أخر دخل دهاليز التاريخ الإسلامي ولم اخرج منه بأي معلومة إلا تأثير حسن الصباح علي أتباعه، مسلسل طويل عريض يتعرض لفترة زمنية هامة فى تاريخ الأمة لم يقدم لنا إلا إسقاط سياسي علي تأثر الجماعات المتطرفة بأفكار قادتها وتنفيذ اوامرهم دون نقاش، شاهدت فى المال والبنون أهالي الحي يحرصون على صلاة الفجر يوميا بينما وجدت فى الحشاشين عمر الخيام يمثل جانب الإبداع والحرية وهو يشرب الخمر يومياً وبعدها يقدم لنا النصائح الفلسلفية الغير مفهومة، استطاع محمد جلال عبد القوي ومجدي أبو عميرة أن يقدمان عمل فى أوائل التسعينات يتم مشاهدته فى ٢٠٢٤ ويعيش عبر الشاشات، بينما لم يقدم لنا عبد الرحيم كمال وبيتر ميمي سوي عمل لم نخرج من خلال فواصله إلا بالتعرف على أسعار الشقق والفيلات.