حسام الدين الأمير يكتب : الدولة المصرية بين المودة ولم الشمل والمبادرات الأخرى
شهدت الدولة المصرية خلال السنوات القليلة الماضية وتحديدًا منذ عام 2019 وحتى تاريخه ابتكار واستحداث عدد من المشروعات والمبادرات الاجتماعية التي تهدف بشكل أساسي إلى البناء الصحيح للأسرة المصرية، وانطلقت هذه الأفكار من قناعات تنموية من ناحية، وأخرى تابعة لمؤسسات مجتمع مدنى وجمعيات أهلية من ناحية أخرى، وأفكار صدرت عن المؤسسات الدينية، و مبادرات قامت بها الجهات الوزارية، وجميعها تحمل نفس الهدف والفكرة، وإن كان من الأصلح بعد إطلاق كل مشروع ومبادرة هو تقييمه في معدل زمني معين من ناحية تأثيره داخل المجتمع والنتائج التى ترتبت على تنفيذه.
وإحقاقاً للحق كلها مشروعات حضارية هدفها نبيل وجهودها ملموسة، لكن يبقى السؤال هل استطاعت بالفعل أن تؤثر هذه المبادرات على الشارع المصرى وتكون سببًا فى تراجع معدلات الطلاق أو لم شمل الأسرة المصرية أو التأهيل النفسى والاجتماعى للمقبلين على الزواج، أو الدعم الإرشادى للأفراد داخل الأسرة الواحدة.
فمن فترة لأخرى نجد الإعلان عن مؤشرات الأداء لتلك المشروعات والمبادرات وما حققته لصالح المجتمع وخدمته، لكن الأرقام المعلنة إلى الآن ليست بالشكل الذى نستطيع أن نؤكد أنها مؤثرة، ويأتى هنا سؤال آخر، هل المشكلة فى نطاق اهتمام هذه المبادرات والمشروعات بمناطق جغرافية معينة؟ أم أن هناك ضرورة لتواجد العشرات من هذه المبادرات بمسميات مختلفة لاستيعاب العدد الكبير من الكثافة السكانية المصرية داخل كل المحافظات؟ أم كان من الأجدر أن يكون هناك مشروع قومى واحد تجتمع حوله كل المشتركات و تندرج تحته جميع المبادرات؟
فهناك مشروعات ومبادرات مثل “مودة” ووحدة “لم الشمل” ومبادرة “سكن ومودة” ودورات “تأهيل المقبلين على الزواج” ووحدة “المشورة الأسرية” وغيرها.
وإذا نظرنا إلى مشروع “مودّة” فهو مبادرة قومية تسعى من خلال فريق كبير من أهم الخبراء والمؤثرين والشخصيات العامة فى مصر إلى الحفاظ على كيان ناجح للأسرة المصرية، ونجدها تسعى إلى وحدة الأسرة، والحد من نسب الطلاق التى ارتفعت بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة، وإلى تزويد المقبلين على الزواج بالتأهيل النفسى والإجتماعى الكافي لتشكيل الأسرة وحل أى خلافات محتملة، وكذلك دعم مكاتب فض المنازعات الأسرية للقيام بدور فى الحد من حالات الطلاق، بالإضافة إلى مراجعة التشريعات التى تدعم الأسرة وتحمى حقوق الزوجين والأطفال، ورغم أن لها دور فى فض المنازعات الأسرية إلا أنها تستهدف الشباب المقبل على الزواج فى الفئة العمرية من 18 وحتى 25 عامًا وترفع شعار “بالمودة هنكمل حياتنا”.
وهناك مبادرة “سكن ومودة” التى أطلقتها وزارة الأوقاف، لتدريب الأزواج والمقبلين على الزواج فى إطار حرص الوزارة على الاستقرار الأسرى والمجتمعى، وذلك من خلال دورات متخصصة فى فقه الأسرة وحقوق كل من الزوجين على الآخر، وبيان أهمية الاستقرار الأسرى، وبخاصة للمتزوجين حديثًا والمقبلين على الزواج وجميع الراغبين والراغبات.
أما دار الإفتاء المصرية فقد أعلنت عن دورات “إعداد وتأهيل المقبلين على الزواج” بغرض تأهيل الشباب لمرحلة الزواج وكيفية تكوين أسرة ناجحة وتربية الأبناء تربية سوية، ودعمهم بالمعارف والخبرات والمهارات اللازمة لتكوين حياة زوجية وأسرية ناجحة.
وهناك وحدة “لم الشمل” التابعة لمركز الأزهر العالمى للفتوى الإلكترونية، فى إطار مسؤولياته تجاه المجتمع، والعمل على حل المشكلات الاجتماعية، لمواجهة انتشار ظاهرة الطلاق والتفكك الأسرى، لحماية الأسرة المصرية، وزيادة تماسكها، وتهدف الوحدة إلى حماية الأسرة المصرية من خطر التفكك، وإزالة الخلافات بين المتنازعين، والحد من ظاهرة الطلاق التى باتت تهدد أمن الأسرة والمجتمع المصرى، ونشر التوعية المجتمعية والأسرية الصحيحة، وتأهيل المقبلين على الزواج، و تقسيم المواريث وإنهاء النزاعات المترتبة على الاختلاف حولها، والمساهمة فى إيصال الحقوق لأهلها، وحماية الطفل من الأضرار البدنية والنفسية المترتبة على انفصال والديه، والحد من ظاهرة أطفال الشوارع، من خلال تحديد أسبابها واقتراح حلول لها.
وداخل الكنيسة المصرية هناك دورات “المشورة الأسرية” وهي دورات ينظمها معهد المشورة بالكنائس المختلفة والايبارشيات للمخطوبين والمقبلين على الزواج من أجل تعريفهم بأسس الحياة المسيحية، ويشارك فيها عدد من الكهنة والأطباء النفسيين والمتخصصين والتى تعمل الكنيسة الأرثوذكسية على اختيارهم، وكانت الكنيسة قد عممت دورات المشورة الأسرية كشرط أساسي لإتمام الزواج الذى أقره المجمع المقدس لتطبيقه بداية من عام 2017 للحد من حالات الطلاق.
وهناك المشروع القومى لتنمية الاسرة المصرية بدعم من السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى وتنفيذ عدد من الوزارات بهدف الارتقاء المتكامل بكافة جوانب حياة الأسر المصرية على مستوى الجمهورية، حيث يرتكز على عدة محاور خاصة بالتمكين الاقتصادي، والتدخل الخدمي، وكذلك برامج التوعية والتعليم والثقافة عن طريق الحملات الإعلامية للمساعدة على رفع وعى المواطن بالمفاهيم الأساسية والآثار المترتبة على القضية السكانية، إلى جانب التحول الرقمي من خلال إنشاء منظومة إلكترونية موحدة لميكنة وربط جميع الخدمات المقدمة للأسرة المصرية، فضلاً عن المحور التشريعي لوضع إطار تنظيمى حاكم للسياسات المتخذة لضبط النمو السكانى.
ومشروعات ومبادرات كثيرة تقوم بها جمعيات المجتمع المدني، والمجالس القومية مثل المجلس القومى للمرأة والمجلس القومى للطفولة والأمومة، ومبادرات نوعية أخرى ، وكلها تحمل نفس الهدف وهو لم شمل الأسرة والحد من حالات الطلاق وتدريب المقبلين على الزواج، لكن النتائج والأرقام والإحصائيات الموجودة على أرض الواقع مرعبة لأنها تؤكد ارتفاع حالات الطلاق والتفكك الأسرى والنزاعات والخلافات الأسرية وما يدلل على ذلك ببساطة ساحات محاكم الأسرة ومكاتب التسوية.
الأمر الذى يضع علامات استفهام كبيرة، فبعد كل هذه المبادرات وآليات التوعية والتوجيه من كافة المؤسسات أين يكمن الخلل ؟ وما هي الروشتة الإصلاحية المطلوبة ؟ وهل آن الآون أن يكون التشريع هو الحل الأساسى لوأد كل المشكلات وأن يكون هناك قانون ملزم ورادع يحقق بشكل سليم وصحيح تنمية الأسرة المصرية، أم أن الدراما والإعلام وكافة الجهات الشريكة مثل المؤسسات التعليمية والخدمية وغيرها بات عليها أدوار مهمة فى التكاتف مع الدولة لمحاولة “لم شمل الأسرة” من خلال برامج تدريبية وتأهيلية ولكن بشكل مختلف.
أم أن وجود إرادة حاضرة للدولة المصرية فى مشروع قومى ملزم ومؤثر تدعمه التشريعات والقوانين هو الحل؟