حكايات فنيه اسكندرانيه … بقلم : عمرو نوار
كتب: عمرو نوار
حسب الموعد وكالمعتاد ذهب الفنان الكبير فريد شوقى الى موقع التصوير بمحافظة الاسكندريه وفوجئ باعتذار فريق العمل عن عدم جاهزية التصوير الان وان امامهم ربما ساعه واكثر للاستعداد…وحينها قرر ” فريد” ان يذهب لتناول الشاى فى اى مقهى قريب ..ولان القدر كان لديه موعد معه فقد ذهب الى اقرب مقهى وكان فى ابوقير عند البلانصات ” المراكب “
وجاءت جلسة الفنان الكبير الى جوار عجوز سنعرف لاحقا ان اسمه “عم صالح” وكان عم صالح هو ” شيخ الصيادين ” فى هذا المكان وماان انفتح الحوار حتى اخذ عم صالح يحكى للنجم الكبير عن البلانصات والصيد والمغامرات التى واجهها ف البحر وانساب يسرد فى اللحظه التى كان النجم الكبير قد ذهب بخياله بعيدا ليدرك ان مايقوله العم صالح يصلح ان يكون فيلما سينمائيا متكاملا لاتنقصه الحبكه الدراميه ولا الاثاره والتشويق اللازمان لهذا النوع من الافلام …شكر النجم الكبير فريد شوقى جليسه ” عم صالح “ودفع قيمة المشروبات ونهض سريعا ليكمل مشاهده ف موقع التصوير الملاصق لابو قير ثم يعود سريعا الى القاهره حيث يلتقى باستاذه فى الكتابه والسيناريو والحوار الراحل الكبير ” سيد بدير ” وهكذا كانت شهادة ميلاد فيلم ( حميدو ) انتاج ١٩٥٣ بطولة الفنان الكبير فريد شوقى.
وشاركه فيه الراحلين ” محمود المليجى “و “تحيه كاريوكا ” من انتاج وتصوير الراحل الكبير ” وحيد فريد “…فى ليلة العرض الاول يذهب الفنان فريد شوقى لاحضار ” عم صالح ” لمشاهدة الفيلم وماان يرى ” عم صالح ” الاحداث حتى يقول لوحش الشاشه ان هذا هو كل ماحكيته لك فيؤكد له الفنان الكبير ذلك ويعطيه خمسين جنيها مكافأه ويقول له فعلا انت المؤلف الحقيقى..
وهنا نتوقف قبل ان نكمل حكاياتنا الفنيه عن الثغر لنؤكد على ان تلقى الابداع لايقل قيمه عن الابداع نفسه ..فمن المؤكد ان “عم صالح “قد حكى هذه الحكايات على المقهى للكثير من الناس والرواد ولكن مبدعا واحدا فقط هو ” فريد شوقى ” استطاع ان يلتقط هذه الحكايات و”الدردشه ” ليحولها الى فيلم سينمائى ناجح .
هذه قصة “نيوتن”وتفاحته التى سقطت قبله على رؤوس الملايين من الناس ولكنه بمفرده “التقط ” تلك اللحظه الابداعيه ليكتشف قانون ” الجاذبيه الارضيه “… وفى اثناء تصوير فيلم ” حميدو”ايضا انبهر ” فريد شوقى ” بالميناء القريبه وذلك الونش الضخم والذى يبلغ ارتفاعه قرابة ١٠٠ متر فتخمرت فى ذهنه فكرة الفيلم التالى وهو ” رصيف نمره خمسه”انتاج ١٩٥٦ ومن اخراج “نيازى مصطفى “وتصوير “اورفانللى “
وكان مشهد النهايه فيه هو تلك المعركه التى دارت بين الشاويش خميس “فريد شوقى ” وبين الراحل الكبير ” زكى رستم” ( المعلم بيومى ) والإفّيه الشهير الذى لاينسى ( هى سبحتك فين يامعلم ) على ظهر ذلك “الونش ” ومن المعروف عن الفنان الكبير انه كان مصابا ب” فوبيا ” المرتفعات حتى انه طلب من المخرج “نيازى مصطفى ” عمل “ديكور “داخل الاستوديو وذلك بعد ان صعد الراحل ” زكى رستم ” اكثر من ٢٠ مترا لاتمام المشهد ورفض الفنان الكبير” فريد شوقى” الصعود وفعلا تم عمل ديكور للونش داخل استوديو مصر مع مزج المشاهد بالبدلاء ( الدوبلير” ليخرج عملا من اعظم افلام الاكشن والحركه فى السينما المصريه. شاركت فى بطولته الراحله الكبيره ” هدى سلطان “والفنان الكبير الراحل “محمود المليجى ” .
ولاتنتهى حكايات وعبق الاسكندريه مع الفن السابع والدراما التليفزيونيه والى “الاسكندريه ” يرجع فضل الالهام للكاتب الكبير ” اسامه انور عكاشه ” فى جميع مسلسلاته التى كتبها حتى انه ما ان تاتيه الفكره حتى يسارع بسيارته الى الاسكندريه فيغلق على نفسه باب مكتبه المطل على البحر ليبدع لنا كل ماشاهدناه من اعظم دراما تليفزيونيه مصريه ( الشهد والدموع ” “ليالى الحلميه ” “زيزينيا” وغيرها الكثير…وعلى نفس النمط والعشق والهوى.
كان معظم فنانين السينما المصريه واشهرهم الزعيم “عادل امام “عاشقا ومرتادا لمقهى “عبدالكريم ” او مقهى المشاهير. كما يسميه الناس وهو المقهى الملاصق لمحطة سيدى جابر وتحديدا فى شارع ابوقير العام وكان عادل امام يتفاءل بعروض مسرحياته بالاسكندريه والتى كانت تنزح اليها كل الفرق المسرحيه المصريه خلال شهور الصيف لتمضى موسما كاملا بين خشبة المسرح والبحر ..
من نفس الاقدار شاءت الصدف ان يجلس “امام الرواه”وعميد الروايه العربيه اديب نوبل الكبير الاستاذ “نجيب محفوظ ” ليحتسى قهوته اليوميه فى مقهى ” اتينيوس ” بمحطة الرمل والملاصق لعمارة “بنسيون فؤاد”
ويلتقى بصاحبة الفندق اليونانيه السيده “كارلا” لتوحى له خلال الحديث بقصته الخالده”ميرامار ” والتى ستتحول الى فيلم انتاج ١٩٦٩ ليحتل الرقم ( ٢٩) فى قائمة اعظم مائة فيلم مصرى اخرجه الراحل الكبير ” كمال الشيخ ” وتصوير المبدع “عبدالحليم نصر”وشارك فى بطولته كبار النجوم ( شاديه ) و”يوسف شعبان” وعبدالمنعم ابراهيم “مع عميد المسرح العربى الفنان الكبير ” يوسف وهبى “ونخبه من الفنانين .
وتبقى عمارة “بنسيون فؤاد” او ” ميرامار ” قابعه بنفس اثاثها التاريخى مزارا لعشاق الاديب الكبير “نجيب محفوظ ” واسترجاع ذكريات هذا الفيلم العظيم ” ميرامار ” ..والحقيقه ان ” الاسكندريه ” تقبع وراء وداخل وخلف كل عمل فنى اما مباشرة او رمزيا وهنا لايجب ان يمر الحديث بدون ذكر تلك الافلام ” الاسكندرانيه” فى النكهه والمحتوى للعبقرى الراحل الكبير ” يوسف شاهين ” والذى اخرج عن تلك الذكريات اربعة افلام هم على التوالى ( اسكندريه ليه) ١٩٧٨ ( حدوته مصريه ) ١٩٨٢ ( اسكندريه كمان وكمان ) ١٩٩٠ ( اسكندريه -نيويورك) ٢٠٠٤ ..حكى خلالها عن “اسكندريته “هو ..اسكندرية شاهين ومزجها فى نسيج رائع مع كبريات الاحداث المحليه والعالميه …اهدتنا الاسكندريه فنان الشعب ” سيد درويش ”
كما اهدتنا احد كبار شعراء العاميه ” بيرم التونسى ” ..نحن وهؤلاء وكل الشعب المصرى امتزجت فينا بشكل او بآخر تلك المدينه بشوارعها وبحرها وهواءها اذا استقر فى الصيف او اذا اعلنت الطبيعه عن نفسها فى غيوم وسحب الشتاء وامواجه العاتيه ..هى المدينه “الفنانه”وام الفنون على مدار مايقارب ٢٥٠٠ عام وستظل .