حمدي رزق يكتب: الرفض التام أو الموت الزؤام!!
التمترس في خانة الرفض، والرفض للرفض، وتصدير الرفض في كل مناسبة، دون تبصُّر لمآلات الأفعال والأقوال، خطيئة وطنية لو تعلمون.
النظر في مآلات الأفعال قاعدة كبيرة في الفقه الإسلامى، وبالضرورة الوطنية في الفقه السياسى، ومفادها أنه على المُكلَّف أن يُقدر العواقب، بل حتى على المفتى (فى الحكم أو المعارضة) أن يقدر عواقب فتواه للمستفتى، وهنا المستهدف المواطن الممتحن حياتيًّا.
الرفض خلوًا من الرشادة السياسية (العقلانية) لن يبنى جدارًا، يهدم كل الجدران، الرفض لمجرد الرفض يساوى هدمًا، والبناء يحتاج إلى رؤية أعمق وأشمل لاعتبارات وطنية حرجة تستنهض هِمَم الوطنيين
(معارضين ومؤيدين).
الحوار السياسى البَنّاء بين الموالاة والمعارضة مطلوب وبشدة، يمد جسورًا تذهب بنا إلى ما نصبو إليه مستقبلًا في وطن يستحق الأفضل من النخبة السياسية (حكومة ومعارضة).
الرفض الرشيد العقلانى الواعى بالمقاصد الوطنية العليا مهضوم في سياق الحوار السياسى، ولكن من غير المهضوم أن يكتفى المعارضون بالرفض باعتباره غاية المنى ونهاية المطاف وليسجلوا أسماءهم على حوائط الرفض الفيسبوكى بافتخار يعجب الشطار.
مصر لم تعدم معارضين وطنيين نجباء، يعارضون على أرضية وطنية، ويطرحون رؤية وطنية، ويقفون موقفًا منصفًا من وطنهم، الذي يحتاج المعارضة تمتينًا للحكم، وتثبيتًا للدولة الوطنية، ورسم صورة لمصر مغايرة للصورة، التي يرسمها الإخوان والتابعون في فضائهم الإلكترونى.
لا عاقل يطالب معارضًا بمغادرة خانة «الرفض» إلى الموالاة، المعارضة حقه تمامًا، مأجور عليه، ومَن يجد في نفسه أهلية سياسية فليَخُضْ غمار معركة الوطن بأجندة وطنية خلو من أي تحزُّبات تنفى الآخر.
الأوطان لا تنبنى على ثأرات سياسية مزمنة، ما ضاع من عمر الوطن في احتراب يستوجب تعويضه بحوارات وطنية على أرضية وطنية وبأجندة وطنية.. وفى الحوار الوطنى متسع لكل رأى معارض.
سنوات الإعمار في عمق البنية التحتية للدولة المصرية تمر بنجاح موثق، لماذا يقف منها نفر من المعارضين موقف الرافضين، دون رؤية بديلة، دون برامج واقعية، دون تبصُّر للمخاطر الوجودية التي تحيق بالدولة المصرية.
ما فات فات، والعبرة بالخواتيم، ظنى أن موقف البعض في المعارضة الوطنية يحتاج إلى إعادة نظر، معارض موقف وليس صفة ولا مهنة يمتهنها البعض، ويعمل عليها، ولا يغادرها إلى موقف أكثر إنصافًا من الرفض التام أو الموت الزؤام.
مطلوب إعادة النظر في المشهد السياسى التعيس بأكمله، نطمح إلى معارضة وطنية، تبنى مواقفها على أجندة وطنية، معارضة رشيدة بَنّاءة، تصب جهودها حسب مواقفها في إناء الوطن، لا تصب في آنية مسمومة.
احتفاء منصات الإخوان بما ينفثه نفر من المعارضين نكاية ومكايدة خليق بأن يفكروا فيما يقولون، هل هذا في صالح وطن ينتمون إليه، ويعيشون في رحابه، مراجعة المواقف جميعًا ضرورة وطنية.
المعارضة الحقيقية نوع من الأعمال السياسية الشاقة، ليست نزهة خلوية، أنا معارض أنا رافض، وكل هذا العالم من حولى لا أحد، نظرية الخيار صفر، إما نحن وإما هم، هذا خذلان لشعب عنده أمل.
المعارضة عمل سياسى تراكمى، والمعارضة على أرضية وطنية تُحترم، ويلزم تشجيعها، وإنصافها، ويستوجب الأمر التمييز بينها وبين المعارضة على أرضية خارجية بتمويلات مجهولة ومخططات استخباراتية تستهدف تركيع وطن عظيم اسمه مصر.