حمدي رزق يكتب: المحليات أساس البنية السياسية
على صدى الإعلان التأسيسى لحزب «الجبهة الوطنية»، أخشى تعلية البناء الحزبى على غير أساس، دون بنية سياسية أساسية وعميقة الجذور فى الأرض.
سياسيًّا، لكل بناء أساس، وأساس البناية السياسية المجالس المحلية، ودون مجالس محلية فاعلة ومؤثرة وتملك قرارها المحلى، رقابة ومحاسبة وتصريف الأمور، أخشى أن نُعلى البناء السياسى فى الهواء.
المحليات التى أنشدها ليست المحليات الشكلية الصورية، على طريقة «فض مجالس»، ولكن إقامة المجالس المحلية على أساس من قانون (لم يصدر بعد) يؤمّن منافسة انتخابية معتبرة، تُفضى إلى مجالس تُحسن تصريف أمورها المحلية.
المحليات المنشودة إذا تشكلت جديًّا بانتخاب القادة الطبيعيين فى بيئتهم المحلية تشكل حجر أساس قوى فى البناية السياسية المرتجاة، ترفع عن كاهل الحكومة المركزية أثقالها، وتوفر عليها جهودها، وتؤمن للمحليات استثماراتها، وتحفز شبابها، وتستفيد من خبرة شيوخها فى تنمية المجتمعات المحلية.
يصح هنا القول الذائع: «ودنك منين يا جحا؟» بدلًا من الاجتهاد والاحتشاد فى تأسيس حزب جديد، وأخشى لن يفى بالمطلوب إثباته سياسيًّا، فلنتوفر مخلصين على إنجاز قانون المحليات الجديد، نكسب كثيرًا، ولا يُقعدنا عن انتخابات المحليات شبح الإخوان والسلفيين. ماضٍ ومضى.
يقينًا، ليس لدينا حزب الوفد القديم، ولا الاتحاد الاشتراكى، ولا حتى قوام الحزب الوطنى، وليس لدينا حزب فى قوة وانتشار الحزب الشيوعى الصينى، وليست لدينا ثنائيات الأحزاب الليبرالية فى إنجلترا وأمريكا، وليست لدينا تجربة حزبية يُعتد بها لأسباب يطول شرحها. التفكير فى تأسيس حزب كبير من حسن تصريف الأمور السياسية، ولكن غض الطرف عن أقوى وأهم حزب سياسى فى مصر، أقصد المجالس المحلية، فيه إهدار لقوة سياسية راكزة فى بيئتها المحلية، لدينا كنز سياسى مطمور، حزب قوامه خمسون ألفًا من الأعضاء القادرين على إحداث نقلة تنموية فى المحليات.
أتحدث، وإن جاز التوصيف، عن حزب المحليات وبرلمان المحليات وقيادات المحليات الطبيعية، لو أحيينا هذا الحزب المنتشر فى ربوع المحروسة فسنكسب كثيرًا وطويلًا ومستدامًا. حزب سيُعمَّر طويلًا ويؤثر عميقًا ويلبى الحاجات الوطنية الأساسية فى الحساب والمحاسبة، وحسن تصريف الأمور القاعدية، حزب بمثابة رقيب عتيد على المال العام، وعلى المتنفذين فى المال العام، ويحوز حق سحب الثقة من الموظفين العموميين، ويحاسبهم على المخصصات والخدمات حساب الملكين. حزب أحرص على أموال الدولة، وقادر على تصريفها وتسييرها فى مسارها الصحيح، حزب يحاسب مقدمًا الخدمة الحكومية، ويقف موقفًا إيجابيًّا من احتكار الخدمات والوساطات والمحسوبيات، حتى الأسواق قادر على مراقبتها، وجودة بضائعها، وهوادة أسعارها.
تخيل كل مجلس محلى فى قرية أو حى، فضلًا عن مجلس المحافظة، بمثابة برلمان قائم بذاته، ومعنى بتصريف أموره، جراچ الزمالك الموؤود مثلًا كان سيؤول مصيره إلى برلمان الزمالك، وبرلمان الزمالك يجتمع، ويقرر، وهكذا برلمان جاردن سيتى كان سيبحث إشكاليات المرور فى ظل استمرارية الحواجز الخرسانية، وبرلمان منوف سيراجع دفاتر المستشفى الأميرى، وبرلمان زفتى، وبرلمان البدارى، وبرلمان كفر الزيات، وهكذا تنتعش المحليات، وتصدر للبرلمانات المركزية وجوهًا مدربة سياسيًّا، أقرب إلى «صوبات» لتفريخ الكوادر السياسية التى هى قوام الأحزاب الجديدة.
البناية السياسية من أسفل، لا تُبنى هكذا طوابق فى الهواء، أخشى أن ندور فى حلقة حزبية مفرغة، منتقاة من قائمة قصيرة من وجوه سياسية محروقة شعبيًّا، نراها فى كل الكيانات والتكتلات الحزبية.. جد لن تضيف جديدًا.