حمدي رزق يكتب: تركوه وحيدًا يواجه مصيره!
«يا بلادًا حوَت مآثرنا
كالفراديس فيضها مِنن
فجّر النيل فى أباطحها
يكفل العيش وهى تحتضن
رقصت تلكم الرياض له
وتثنّت غصونها اللدن
وتغنى هزارُها فرحًا
كعشوقٍ حدا به الشجن»
(من قصيدة أنا سودانى)
من لم يرتدِ الجَلَّابِيَّة والملفحة والشال والعمامة (العِمة) والطاقية و(المركوب)، لا يعرف طيبة قلب الزوول السودانى حق المعرفة.
ولم يجل فى شوارع العاصمة المثلثة ذات الإضاءة الخافتة، من لم يصادف زوولا سودانيا سهرانا يكرمه بكرمه، لم يعرف كرم هذا الشعب.
من لم يسمع أغانى الكابلى ووردى وسيد خليفة، من لم يتعلم لغو السودان.. يقينا لا يعرف ثقل الحزن الذى يلجم اللسان.
لك الله يا سودان، كل يبحث عن رعاياه، كل يجلى رعاياه، وسيتركون السودان وحيدا مثخنا بالجراح، ينزف دما، بين مطرقة حميدتى وسندان البرهان سقط السودان من حالق فى صدع الحرب الأهلية.
تعبير «الإخوة الأعداء» ينطبق وصفا، سبحان مغير الأحوال، من كان يرى حميدتى يوقر البرهان ويرفعان يديهما متشابكة فى وجه العالم، ما كان يتخيل أن ينقلب عليه بين عشية وضحاها.. وتصير حربا وقودها الناس والحجارة.
لك الله يا سودان، حسبك الله فى نفر من أبناء بطنك رفعوا السلاح ليسفكوا الدماء الزكية فى أيام كانت أعيادا، قبل أن تتحول إلى معارك تخلف جثثا ملقاة فى العراء دون اكتراث، فى السودان الموت مبقاش له جلال يا جدع.
حتى الغراب يعرف كيف يدارى سوءة أخيه، هل يحتاجون إلى غراب أسود يريهم ما عجزوا عن فعله؟!
السودان الجريح يئن يطلب الغوث، ويقطع الطريق على الإغاثة الإنسانية، ديابة متلمظة لقطعة من كتف السودان العارى، حتى الماء عزّ على العطشى، تخيل دولة نهرية لا تجد بُق ميه لبل ريق طفل صغير، يشربون من مياه النيل غضبا بعد أن تقطعت بهم الأسباب، ناهيك عن الطعام، القدور تغلى بماء قراح.
شعب السودان المنكوب فى أولاده ضاقت بهم السبل، الشعب الذى يحب الحياة، ويعشق القمر، شعب الطرق الصوفية والذكر وخلاوى القرآن. حرموا من ختم القرآن فى البقعة بأم درما، ومن صلاة العيد، والتكبيرات ضاعت مع أصوات التفجيرات والقصف وتبادل إطلاق النيران.. أسبوع أول مر كئيبا على شعب السودان، ومفتتح محزن لأسبوع ثان تحت القصف.
صورة إجلاء البعثات الدبلوماسية تواليًا وكأن القيامة ستقوم فى السودان، الأجانب والأشقاء يفرون من الموت، طائر الموت يرفرف بجناحيه السود، فأل سيئ.
ما يحدث يحزن القلب على السودان الطيب الكريم المضياف، شعب السودان الطيب لا يحتمل أيامًا أخر من المعاناة، وليس فى مكنته الصبر على هذا البلاء، والتدخل العالمى والإفريقى ومن دول الجوار والأشقاء فرض عين، وكل محب للسودان يدعو لسلامة السودان وهذا أضعف الإيمان.