حمدي رزق يكتب: مصداقية «جوان دوناهيو»!
فِى مَوْقِفٍ لاَ يُحْسَدُ علَيْهِ، توصيفا، موقف رئيسة محكمة العدل الدولية الأمريكية «جوان دوناهيو»، التى ما تمنت أن تتعرض المحكمة (تحت رئاستها) لنظر قضية الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين سيما وإدارتها الأمريكية غارقة لأذنيها فى بحر الدماء والأشلاء فى غزة.
سوء الخاتمة، أو حسن الختام، مصادفة أن تعثر قدما القاضية «دوناهيو» فى قضية القرن، قبيل تقاعدها مباشرة، بعد ١٤ عاما متواصلة من العمل فى المحكمة، منذ عام ٢٠١٠، وترأستها منذ فبراير عام ٢٠٢١، ويتوقع أن تتقاعد فى فبراير ٢٠٢٤.
مأزق قانونى مفعم بالشكوك، كيف تتخارج «دوناهيو»، وكيف تتجرد من جلدتها، وكيف تحكم ضميرها ومهنيتها فى قضية إبادة جماعية، التورط الأمريكى فيها مِن الرَّأْس إلَى أَخْمَص القَدَم، واشنطن شريكة بالدعم المالى واللوجستى، وكبار مسؤوليها يحضرون اجتماعات الكابينت (مجلس الإبادة الإسرائيلى).
بالسوابق يعرفون، وسابقة انحياز «دوناهيو» فى قضية تهجير سكانى «أرخبيل تشاغوس» لصالح بريطانيا توطئة لإقامة قاعدة أمريكية، والتى رفعتها دولة «موريشيوس»، لا تزال ماثلة فى الأذهان، كانت الصوت الوحيد لصالح بريطانيا بين قضاة المحكمة التى رفضت التهجير الذى كان أقرب إلى إبادة شعب تشاغوس!!.
«دوناهيو» فى التوصيف بنت الإدارة القانونية فى الخارجية الأمريكية التى تعمل على الصياغة القانونية للمواقف الأمريكية عالميا، عملت سابقًا نائبة للمستشار القانونى بوزارة الخارجية الأمريكية، ومستشارة لإدارتى كلينتون وأوباما فى قضايا القانون الدولى، ورشحتها الخارجية الأمريكية لمحكمة العدل الدولية، من الخارجية للمحكمة مباشرة.
استباقا ذهبت وسائل الإعلام الأمريكية لتسويق صورة نزيهة للقاضية دوناهيو، فى وصفها، تُعرف باستقلالها وبُعدها عن التسييس، ويتمثل نهجها القانونى فى أن المحكمة ليست «جزيرة منعزلة»، فهى تعتبرها آلية تشكل جزءا من نظام كامل للمنظمات الدولية.
صحيح دوناهيو لا تحكم كيف شاءت أو شاء لها الهوى، تترأس محكمة متعددة الجنسيات، أقرب إلى مجلس الأمن، من ١٥ عضوا، ونائبها القاضى الروسى «كيريل جيفورجيان» الذى انضم إلى هيئتها فى ٢٠١٥ ويشغل منصبه الحالى منذ فبراير ٢٠٢١.
«جيفورجيان» هو الآخر ليس بعيدا عن الشبهات السياسية، عمل سابقًا مستشارًا قانونيًا بوزارة خارجية روسيا، كما مثَّل بلاده فى عدد من القضايا أمام محكمة العدل الدولية، وصوَّت مع القاضية الصينية ضد قرار المحكمة المؤقت، الذى يطالب روسيا بوقف أى نشاط عسكرى ضد أوكرانيا. (نفس مطلب جنوب إفريقيا فى حرب غزة).
رئيسة المحكمة أمريكية، ونائبها روسى، وما تحمله هذه الثنائية من تناقضات عميقة فى مجمل المواقف المتصادمة فى القضايا الدولية، ما يثير شكوكا حول قرارات المحكمة المرتقبة فى ضوء سوابق انحيازات سافرة لرئيسة المحكمة ونائبها.
جلسات محكمة العدل الدولية فى «لاهاى»، مباراة قانونية من الوزن الثقيل، العالم يشاهد على الهواء مباشرة نموذجا عدليا رفيع المستوى، مفترض خلوًا من السياسة، رغم أن سوابق قضاتها غير مشجعة، وجار البحث فى خلفيات قضاتها فضلا عن جنسياتهم.
احترافية فريق الدفاع القانونى الجنوب إفريقى فى إنضاج حجية تهمة الإبادة الجماعية فى حق الدولة العبرية، مشفوعة بالأدلة والإثباتات، ستضع المحكمة وقضاتها، تحديدا الرئيسة «دوناهيو» ونائبها الروسى «جيفورجيان»، فى اختبار مصداقية صعيب.