مقالات

دينا شرف الدين تكتب: “قصة محارب تمنى الشهادة”

دينا شرف الدين تكتب: “قصة محارب تمنى الشهادة”

دينا شرف الدين تكتب: "قصة محارب تمنى الشهادة"
دينا شرف الدين

و حسب رواية بطل القصة اللواء أركان حرب: علي حلمي سليمان خطاب

قصة تنظيم كمين ضد رتل مدرع للعدو الإسرائيلي شرق بورفؤاد، يوم 15 أكتوبر 1973.

– اندلعت شرارة السادس من أكتوبر 1973، ولازالت الكتيبة 103 صاعقة بمنطقة التمركز بغرب القاهرة، ضمن المجموعة 139 صاعقة “احتياطى قيادة عامة”، جاهزة لتنفيذ أى مهام تكلف بها ورجالها كلهم فى لهفة، واشتياق لملاقاة العدو.

– صباح يوم 11 أكتوبر 1973 أعيد تمركزها بمدينة بورسعيد، باحتلال الأدوار الأرضية للمنشآت الواقعة بشوارع متفرعة من الشارع الرئيسى بالمدينه “شارع محمد على”.

– كانت سعادة الملازمين أحمد عادل وعلى حلمى، لا توصف لتحقيق رغبتهم الالتقاء بزميلهم ودفعتهم الملازم محمد عبد الحميد صالح المكلف بمهمة الدفاع الأرضى بفصيلته عن القاعدة البحرية ببورسعيد، وقررنا الذهاب إليه صباح يوم 12 أكتوبر.

– ليلة 12 أكتوبر تعرضت مدينة بورسعيد لقصف جوى، استهدف القاعدة البحرية، واستشهد “محمد” وآخرون. وزاد اشتياقنا لملاقاة العدو.

– صباح يوم 14 أكتوبر تم تخصيص المهمة للكتيبة كالآتى:

* قوة السرية الثانية بقيادة الرائد محمود حنفى عرابى، تهاجم النقطة القوية من اتجاه الجنوب عبر الملاحات، تعاونها عناصر من اللواء 135 مشاة من اتجاه الغرب عبر مدينة بورفؤاد.

* السرية الثالثة بقيادة النقيب يسرى العشماوي ومعها فصيلة صواريخ مضادة للدبابات، دعم قيادة وحدات الصاعقة.

* فصيلة مهندسين عسكريين من الكتيبة 103 صاعقة، 2 ضابط من قيادة قطاع بورسعيد لإدارة نيران مدفعية القطاع حالة طلبها، بمهمة منع تقدم العدو شرقا لنجدة النقطة القوية.

*تمام استعداد السرية بمنطقة الكمين يوم 15 أكتوبر.

– بعد إفطار يوم 19 رمضان الموافق 14 أكتوبر تحركت السرية من بورسعيد إلى بورفؤاد عبر المعدية، لتصل إلى نقطة البدء جنوب النقطة القوية خارج مرمى نيرانها.

تجمع أفراد السرية والإبتسامة تعلوا شفاههم، وهم مدركون تماما أنهم مقبلون على معركة تشتعل نيرانها، وبصوت أجش ونبرات حادة تبعث ثقة القائد فى رجالة قائلا:

“على بركة الله يا رجالة إن شاء الله النصر حليفنا”.

– وما إن وضعنا أقدامنا فى المياه كانت دعواتنا تتردد حارة صادقة، فمنا من رفع يديه يصيح مبتهلا “توكلنا عليك يارب” والبعض يهتف من أعماقة تضرعا “يارب وفقنا بحق النبى” ومنا من غرق فى صمته وكل ذرة فى جسده تدعو وتبتهل.

– بعد المسيرة لمسافة 5 كم، أصبحت الملاحات صعبة الاجتياز، فغاصت أقدامنا فى أرض رخوة، وأصبحت مكبلة يصعب تخليصها إلا بمجهود شاق، وارتفعت المياه لتغطى الأعناق، وزادت مشافة الحفاظ على الأسلحة والمعدات والذخائر التى نحملها، مع إصرارنا على الوصول إلى أرض الكمين فى التوقيت المحدد.

– بعد مسيرة حوالى 8 ساعات تقريبا، تمكنا من الوصول، وعلى مسافة 10 كم شرق النقطة القوية، وبذلك أصبحنا خارج المعاونة النيرانية لمدفعية قيادة قطاع بورسعيد.

-تمركزت السرية فى تشكيل خطى بمواجهة حوالى 700م، وعمق لا يزيد على 75م، وفى حفر سطحية بعمق حوالى 25م، تغمرها المياه، ومحاطة بشكائر رمل معبئة بناتج الحفر، والأرض لا تصلح بأى حال من الأحوال لعمل عناصر الصاعقة.

-تمكن الرقيب مجند “مستبقى يحيى حسب الله، رقيب فصيلة المهندسين، ومعة الملازم سيد وصفى قائد الفصيلة بتجهيز حقل ألغام مضاد للدبابات هيكلى، فكم كانت طبيعة أرض الكمين أشد قسوة من الاجتياز.

– صباح يوم 15 أكتوبر تحركت 3 مدرعات يتقدمها، 2 مركبة مجنزرة ويتحركان بسرعة عالية مع إضاءة الكشافات العالية، إلى أن دخلت منطقة قتل “الكمين” أصبحت القطع في مواجهة الأفراد، والمسافة بينهم قريبة جدا، بعد أن توقفوا أمام الألغام الموضوعة ظاهرة على الطريق الأسفلتى.

– وبسرعة انطلقت أول دانة ار بي جي أطلقها الملازم أحمد عادل، ثم قام الرقيب كمال السحيمى بإطلاق دانة أخرى ليدمرا المركبتن، ويسقطوا شهداء، وتفتح نيران السرية بكثافة وتصل المعركة لذروتها، وتم تدمير القطع الخمسة ووقوع خسائر كبيرة بعناصرنا.

– وبدون توقف غمر العدو أرض الكمين بدنات الهاون ومدفعية الدبابات ونيران الرشاشات المثبتة على الدبابات التى تقف خارج مرمى نيراننا، إلا أن رجال الصواريخ المضادة للدبابات تمكنت من تدمير دبابتين، مما دفع العدو لزيادة إطلاق دانات الهاونات التى تسقط على الفرد بحفرته وتغوص فى بطن الأرض، لتنفجر ويتصاعد عمود من الطين المخلوط بدماء وأشلاء وقطع ملابس الأبطال، لتساقط على رؤوس من يزال متمسكا بتنفيذ المهمة المكلف بها وهى “حرمان العدو من تحقيق الاتصال بالنقطة لنجدتها”.

– وهكذا استمر الحال وتحت ستر نيرانه، تم دفع كاسحة لتطهير الأرض وتمكن من الاختراق بعد توقف قرب من 6 ساعات وبعد اعتقاده نفاد ذخيرتنا ولم يكن استخدامنا لأسلحتنا بالهين، فأنا شخصيا كنت افك كتلة ترباس البندقية وأغسلها فى مياه الحفرة وأعيد تركيبها لإنتاج طلقات فردية، بفضل من الله تمكنت من قتل فردين أثناء محاولة الهروب من فتحة هروب الدبابة وآخر أثناء قفزة من الدبابة.

– بدأ العدو فى تطهير موقع الكمين لإلقاء القبض “أسر” الأحياء وتجميع الأسلحة والمعدات وترجل أفراده.

وباقتراب 3 جنود من حفرتى ألقيت قنبلة هجومية أصابت فردين، ونجا الثالث، وتم إنتاج نيران كثيفة مع إخلاء المصابين.

– وعلى الجانب الأيمن للسرية أمسك كل من الرقيب سمير لطفى، والرقيب محمد محمود دسوقى، وجندى محمود إبراهيم أمين بالقنابل الموجودة معهم، تراودهم فكرة الموت ولا الأسر، وبنزول أفراد العدو لأرض الكمين، وبحماس شديد ألقوا قنابلهم فى اتجاه العدو دون وقوع خسائر، أنتج العدو نيران كثيفة حولهم، لأنه يريدهم أسرى، ارتدوا إلى حفرهم فأسرعت دبابة تهرس أرض الكمين، لا يعنيها من أسفلها، إلى أن وصلت إليهم فنهض اثنان منهم فى حالة ذعر أمامها، والثالث خرج من أسفلها وتم أسرهم وهم مصابين إصابات بالغة .

– تم استجوابى فى أكثر من مركز قيادة، وكان السؤال المهم والأهم الذي تكرر فى كل مكان هو:

“ما هى الحبوب أو العقاقير التى تناولتموها قبل التنفيذ”

ظللت 3 أيام وأنا فى مرحلة الاستجواب، ولازال المقذوف مستقرا فى كتفى، وجفت الملابس وتراكمت بللورات الملح على جسدى، وشعر رأسى يبدو كأنه اشتعل شيبا، وأصبح الأفرول كلوح من الابلاكاش، والتصق الحذاء بقدمى وحدثت خدوش بجسدى كثيرة، مما زاد شدة الأم المصاحب للمقذوف علاوة على ما أعانيه نفسيا من كونى أسيرا، وأشلاء زملائى التى لم تفارق خيالي.

– وفى اليوم الرابع من الأسر تم نقلى جوا إلى مستشفى داخل مدينة “ليست ميدانية” واستخراج المقذوف بعملية جراحية، ومن المستشفى مباشرة إلى مبنى مشيد على طراز حديث مكثت به يومين أخرين، ومن آن إلى آخر يتم سؤالى نفس السؤال

“ما هى الكبسولات أو العقاقير التى تناولتموها”

 وأصريت على مقابلة العميد نبيل شكرى قائد الوحدات، تمت المقابلة وعرضت عليه “الله يرحمة” الرغبة للعودة والانضمام إلى كتيبتى دون الدخول فى تفاصيل، وبحنكة القائد طمأنني نفسيا ومنحنى إجازة لاستعادة لياقتي الصحية، ثم أعود للخدمة.

– خرجت فوجدت السائق فى انتظارى طلبت منه التوجه إلى محل إقامتى “نزلة السمان” الهرم، وصلنا المنزل حوالى الساعة الواحدة صباح يوم 26 نوفمبر، يرافقنى السائق إلى باب المنزل، فطرقته وإذ بصوت “عمتى” تصيح “مين” أنا على، وإذا بصراخ عمتى وأمى ومعهم أخى الأكبر يصيح “جابوا الجثة.. جابوا الجثة).

– فرد السائق (لا البطل موجود افتحوا) لتتجرأ امى وتفتح، فأرتمى فى حضنها وهى تضمنى إليها بشدة، كما لو كانت تريد زيادة التاكيد أننى بأحضانها، وأنني فعلا لازلت على قيد الحياة.

 ليعلموا أن

       تراب الوطن ترخص لة الأرواح بالعزيمة والإصرار فى

       قتال العدو لتظل مصرنا الحبيبه مرفوعة الرأس

      شامخة القامة بسواعد أبنائها المخلصين .

      لواء اح . على حلمى سليمان خطاب .}

نهى مرسي

نائب رئيس تحرير الموقع
زر الذهاب إلى الأعلى