الدين معاملةمقالات

قصة بناء الكعبة.. بقلم : أحمد عثمان عوض

قصة بناء الكعبة.. بقلم : أحمد عثمان عوض

قصة بناء الكعبة.. بقلم : أحمد عثمان عوض
صور أرشيفية

نبدأ حديثنا بالأية القرآنية، بسم الله الرحمن الرحيم
«إِنَّ أولَ بَيتٍ وُضِعَ للناس لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ»
خصّ الله تعالى الكعبة بعددٍ من الفضائل فهي قبلة المسلمين يتوجّه إليها المصلّي خمس مرّات في اليوم وهي مقصد المسلمين في شعائر فريضة الحجّ حيث يطّوّفون بالبيت العتيق ‏وليؤدّوا مناسك الحجّ والصلاة في البيت الحرام تعادل مائة ألف صلاة عمّا سواه ومن أسماء الكعبة البيت الحرام والبيت العتيق وبكّة وتقع في وسط المسجد الحرام ويبلغ ارتفاعها15متراً ويبلغ طولها12متراً وأما الضلع الذي به الميزاب والذي يقابله طوله عشرة أمتار فما هي قصة بناء الكعبة المشرفة؟

‏أمر الله تعالى سيدنا إبراهيم عليه السلام أن يقوم ببناء الكعبة الشريفة في مكة المكرمة وأعانه في ذلك إبنه إسماعيل لتكون أول بيت يوضع للمسلمين استجاب إبراهيم لأمر ربه وقام ببناء الكعبة دون توان أو كسل أو خوف فقال إبراهيم لإبنه: يا بني إنّ الله قد أمرني أن أبني ها هنا بيتاً

‏فردّ عليه إسماعيل بالسمع والطاعة قام كل من الأب وابنه بحفر أساس الكعبة بالمعاول وتعاونا مع بعضها في رفع قواعدها حيث كان إسماعيل يأتي بالحجارة وإبراهيم يبني وما إن ضعف إبراهيم عن عن رفع الحجارة لأعلى قال لإبنه إسماعيل يا بني أحضر لي حجراً أضعه تحت قدمي لأتمكن من إتمام ما بدأت به

‏ذهب إسماعيل باحثاً عن حجر لوالده إلى أن وجد حجراً أسود اللون قدمه لوالده فقام عليه إبراهيم وأخذ يبني البيت(مقام إبراهيم)وإبنه إسماعيل يناوبه إلى أن أتم الاثنان بناء هذا البيت الحرام والذي جعله الله تعالى مثابة للناس وأمنا ثم جاء جبريل بالحجر الأسود وكان أبيض يتلألأ وضع في موقعه

‏”وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ ربنا تَقَبَلْ مِنَّا إِنكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ*رَبَنَا واجعلنا مُسْلِمَيْنِ لك ومن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لك وأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ”

‏وكان طولها تسعة أذرع وكانت بلا سقف
بعد ذلك استقرت في مكة قبائل (العماليق)و(جرهم)فأخذت على عاتقها أمر إصلاح البيت وترميمه ولم يكن للكعبة أي أمر يتعلق بالدين بالنسبة لأهل مكة كل ما في الأمر أن يبقى هذا المكان واقفاً كما هو حتى يستطيع الزوار أن يأتوا باستمرار وتكون أسواقهم مفتوحة

‏ولا يمكننا أن ننسى قصة أبرهة الحبشي الذي جاء على فيل ضخم وكان كل هدفه أن يهدم الكعبة سنة 54 ق.هـ /570م
الكعبة كانت عبارة عن قوالب طوب مرصوصة فوق بعض من غير طين أو أي مادة بينهم تمسك ما بينهم، جنبها الرابع اللي من جهة الحِجر كان على شكل قوس مش خط مستقيم ‏(بمعنى إن الكعبة لم تكن مربعة الشكل وكان الحِجر اللي بيسموه دلوقتي حِجر إسماعيل جزء منها) وكان لها باب يدخل الناس منه وباب مُقابل يخرج الناس منه، مكشوفة السقف في وسطها بئر يُرمى فيها ما يُهدى للكعبة كل يوم داخل البئر ده حال الكعبة في الجاهلية

‏مرت السنوات وكان حالها ده كفيل يخليها مُعرّضة للتأثر بالسيول والأمطار خصوصاً السيل الشديد اللي حصل في السنة دي وأثر على بُنيانها فبدأت قُريش تتشاور في إصلاحها فعزمت قريش على هدم الكعبة وإعادة بنائها من جديد بناءً محكماً وكان ذلك في السنة الخامسة قبل البعثة ليكون البناء متيناً ‏قادراً على تحمّل السيول وغيرها من المؤثرات الطبيعيّة ومعظم الأمور مُهيئة لبدء إصلاح الكعبة وتسقيفها فقالت قُريش “إنا لنرجو أن يكون الله قد رضيَ ما أردنا
اتفقوا على إعادة بنائها وعدم الاكتفاء بتسقيفها لكن قبل البناء لازم يجي الهدم، وفي خطوة كبيرة زي دي كان الخوف في قلوبهم كبير ‏يُناسب عظمة حُرمة الكعبة وقُدسيتها في القلوب والعقول والأذهان
تطوّع الوليد ابن المغيرة إنه يجرب على نفسه مدى رضا الله أو غضبه على الخطوة دي فقال”أنا أبدؤكم في هدمها”بدأ يهدم وهو بيقول “اللهم لا ترع، اللهم إنا لا نريد إلا الخير”
“ترع” جاية من الروع اللي هو الخوف ‏و”لا ترع” بتتقال لتسكين الروع وإظهار اللين واليُسر في القول وفي موقفنا هنا مافيش حاجة تدعو للخوف ولا يمكن تتقال كلمة زي دي لربنا بالقصد ده لكن كانت عادة العرب يقولوها من باب إظهار قصد البِرّ وصلاح النِيّة في العمل.
بات الوليد ليلته يترقّب حالته ‏فلما أصبح عليه الصبح سليماً مُعافى لم يُصبه أذى اطمئن قلبه وقلوب جميع أهل مكة أن الله ارتضى منهم فعلهم ووافق عليه وزّعوا جهات الكعبة بين القبائل ليتشاركوا الشرف ويتقاسموا الفضل بلا جور أو خلاف هدموا وأتمّوا الهدم لحد ما وصلوا للأساس فسابوه بحيث يبقى أول صف من الحجارة ‏13-اللي أسسها سيدنا إبراهيم موجود زي ما هو ويكملوا هم بزيادة الإرتفاع بدون المساس بأبعاد الكعبة وموقعها وهنا تُروى روايات كتير متفاوتة في القوة بتحكي في مُجملها عن محاولة أحدهم المساس بالأساس بقصد أو بدون قصد ففوجئ بزلزال هز مكة كلها ألقى الرعب في قلبه وفي قلوب الناس حوله ‏فابتعدوا جميعًا عن الأساس واكتفوا بالهدم على ذلك وبدأوا في البناء.
خال أبو سيدنا النبي ﷺ كان صاحب مكانة مهمة في قومه وكان مسموع الكلمة بينهم لما اقترح عدم إدخال أي مال حرام في البناء من باب احترام قُدسية الكعبة كان قرار نافذ لا رجعة فيه قال لهم ‏”يا معشر قريش لا تُدخلوا في بنيانها من كسبكم إلا طيبًا لا يدخل فيها مهر بغي ولا بيع ربا ولا مظلمة أحد من الناس”
واتفقت قريش على أن تتعاون كلّ القبائل في بنائها من المال الحلال الخالص
ومن هنا نشأت المشكلة إن الحلال من مالهم كان قليل وصرفوه كله على البناء ولم يكفي! ‏فاضطروا يخرجوا الحِجر من حدود الكعبة قفلوا جنبها الرابع بشكل مستقيم فاكتمل مربع الكعبة يعني صغروا مساحتها حين قصرت أموالهم انتقصوا من هذه الجهة ثلاثة أمتار ورفعوا الباب عن الأرض حتى لا يدخل الكعبة إلا مَن أرادوا واكتفوا بباب واحد وأغلقوا الآخر ‏وتركوا علامة عند الحِجر للإشارة أنه من حدود الكعبة وجعلوا لها ميزاباً يسكب مياه الأمطار ورفعوا بناء الكعبة 8.64متر بعد أن كان 4.32 متر وصنعوا لها سقفاً ثم جاء من بعده عبد المطلب بن هاشم وصنع لها باباً من حديد وحلاّه بالذهب وقد كان بذلك أول من حلىّ الكعبة بالذهب.
‏لما دخل الإسلام وكان في إمكانية إن سيدنا النبيﷺيعيد بناءها كما كانت امتنع عن ذلك خوفًا على المسلمين من الفِتنة فقال للسيدة عائشة”يا عائشة لَوْلا أنَّ قَوْمَكِ حَديثُو عَهْدٍ بشِرْكٍ لَهَدَمْتُ الكَعْبَةَ فألْزَقْتُها بالأرض وجَعَلْتُ لها بابين:بابًا شرقياً وبابًا غَرْبِيًّا ‏وزِدْتُ فيها سِتَّةَ أذْرُعٍ مِنَ الحِجْرِ، فإنَّ قُرَيْشًا اقْتَصَرَتْها حَيْثُ بَنَتِ الكَعْبَةَ.”
عشان كده لحد دلوقتي في الطواف لازم تطوف حول الحِجر وماينفعش تختصر الطريق وتطوف بين الحِجر والكعبة لأنك كده مش هتكون أتممت الطواف حولها.
‏ومن ناحية تانية بقى اللي يصلي داخل الحِجر كأنه صلى داخل الكعبة! زي ما ستنا عائشة قالت “كُنْتُ أُحِبُّ أَنْ أَدْخُلَ الْبَيْتَ فَأُصَلِّيَ فِيهِ فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِيَدِي فَأَدْخَلَنِي فِي الْحِجْرِ فَقَالَ (صَلِّي فِي الْحِجْرِ إِذَا أَرَدْتِ دُخُولَ الْبَيْتِ؛ ‏فَإِنَّمَا هُوَ قَطْعَةٌ مِنْ الْبَيْتِ وَلَكِنَّ قَوْمَكِ اقْتَصَرُوهُ حِينَ بَنَوْا الْكَعْبَةَ،فَأَخْرَجُوهُ مِنْ الْبَيْتِ).”
بناء الكعبة بعد الإسلام في عهد عبدالله بن الزبير تعرضت الكعبة لحريق كبيرناتج عن ضربها بالمنجنيق من قبل جيوش يزيد بن معاوية ‏حين احتمى عبد الله بن الزبيروصحبه داخل الكعبة أثناء حصار جيوش الأمويين لمكة ليقوم بعد ذلك عبد الله بن الزبير بإعادة بنائها ولكن على قواعدها القديمة التي بناها إبراهيم عليه السلام،حيث استكمل بناء ما عجزت عنه قريش حينما قصرت بها النفقة وجعل لها بابين وزاد في ارتفاعها عشرة أذرع‏بعد أن قامت الحروب مرة أخرى بين الأمويين وعبد الله بن الزبير في عهد عبد الملك بن مروان الذي قضى على عبد الله بن الزبير بأن أرسل عليه جيوش الأمويين بقيادة الحجاج بن يوسف الثقفي الذي هدم جزءاً من الكعبة وأعاد بناءها على الأسس التي وضعتها قريش ‏عهد السلطان العثماني مراد الرابع تضررت الكعبة بسبب السيول الضخمة التي ضربت مكة في ذلك العام فأمر السلطان مراد بإعادة إعمارها بالاستعانة بمهندسيين مصريين سنة1040هـ/1630مـ واستمرت عملية البناء ستة أشهر حيث تم إصلاح وترميم المسجد بأكمله لتكون البناء الحالي الشاهد أمامنا اليوم ‏وكل ما حدث بعد ذلك كان عبارة عن ترميمات وإصلاح فقط

قصة بناء الكعبة.. بقلم : أحمد عثمان عوض
أحمد عثمان عوض

مايسة عبد الحميد

نائب رئيس مجلس إدارة الموقع
زر الذهاب إلى الأعلى