عاجلمقالات

محمد قنديل .. الصوت الصداح .. بقلم: الكاتب الصحفي والناقد السينمائي / أشرف غريب

محمد قنديل .. الصوت الصداح .. بقلم: الكاتب الصحفي والناقد السينمائي / أشرف غريب

محمد قنديل .. الصوت الصداح .. بقلم: الكاتب الصحفي والناقد السينمائي / أشرف غريب
الكاتب الصحفي أشرف غريب

هذا الرجل بصوته وتاريخه يدعو إلى الدهشة وربما التأمل أيضا ..

جرب ترديد اسمه بينك وبين نفسك .. حينها ستجد صوته بنبرته المميزة يتسلل إلى أذنيك ، ثم سرعان ما يملأك ويحتويك فى تصاعد أقرب إلى الـ ” كريشيندو ” عند عازفى الأوركسترا ، فإذا ما حدث ذلك – وهو حتما سيحدث – فأنت فى عالم آخر من العذوبة والسلطنة وروقان البال ، صوت رنان غير منطفئ ، صداح بلا انفعال ، واسع المساحة ، لين الأداء ، يجمع بين الرقة والقوة والقدرة على التعبير فى كل مناطقه ، وهى مزية يندر أن تجدها بين المطربين حيث تتعارض غالبا رهافة الإحساس مع قوة الأداء إلا فيمن ندر من الأصوات الغنائية كما هو الحال مثلا عند أم كلثوم ووديع الصافى ، وهو مع هذا كله صوت مصرى أصيل لا يشبه أحدا أو يلتبس على آذان مستمعيه ، ابن طين هذه الأرض ونبتها ، ربيب شوارع المدينة وأزقتها ، وربما كانت مصريته هذه إحدى مواطن قوته عند عشاقه ومريديه ، وإحدى مكامن ضعفه عند اولئك الذين يرونه مطربا محليا لم يحظ بذلك الانتشار الواسع الذى حظى به غيره من المطربين أمثال عبد الوهاب وفريد وعبد الحليم ومحمد فوزى خارج حدود الأذن المصرية .

ومهما يكن ورغم كل هذه الخصال التى توفرت لصوته فإن قنديل لم ينل ما يستحقه من تقدير واهتمام ، أولا لأن قدره شاء له أن يأتى فى زمن العمالقة المذكورين أعلاه ، وثانيا لأنه لم يمتط مثلهم صهوة شريط السينما ، ففقد سلاحا مهما فى الانتشار والتأثير واستعادة الحضور صوتا وصورة ، وثالثا لأن الانطباع الأول يدوم ويستمر ، فبمجرد أن نجح قنديل فى شعبياته الرائعة خاصة وأنه بدأ مشواره الغنائى من خلال ” ركن الريف ” بالإذاعة المصرية ، قولبه مستمعوه داخل إطار المطرب الشعبى حتى بعد أن نجح قنديل فى أغنيته العاطفية الشهيرة ” 3 سلامات ” وغيرها من محاولاته التى قدمها على استحياء للخروج من أسر هذا القالب ، ورابعا لأن قنديل لم يكن يملك – على ما يبدو – ذلك الذكاء الاجتماعى الذى تمتع به عبد الحليم على سبيل المثال ، أو قل أنه لم يدر موهبته على النحو الذى يضمن له المكانة التى يستحقها وسط العمالقة .

وولد محمد قنديل عام 1929 على ما يبدو ، تماما فى العام نفسه الذى شاع أنه شهد مولد عبد الحليم حافظ لأن تاريخ ميلاد الأخير محل شك هو الآخر ، لكن الاثنين تربيا على ما يمكن تسميته بفن ما بين الحربين ، تربيا على أغنيات عبد الوهاب وأم كلثوم وما تبقى من إرث الشيخ سيد درويش ومن كان قبله ، فإذا ما قامت ثورة الثالث والعشرين من يوليو 1952 بات الاثنان ابنين أصيلين من أبنائها ، ونجح حليم فى أن يطرح نفسه صوتا غنائيا معادلا للثورة بين أبناء الطبقة المتوسطة ، بينما استطاع قنديل أن يكون صوت عمالها وفلاحيها ، ولئن أصبح العندليب ” جبرتى ” ثورة يوليو وأداة دعايتها وشارح مبادئها فإن قنديل كان ضمير تلك الثورة والمعبر عن قاعدتها الجماهيرية العريضة بين العمال والفلاحين والصوت الذى تلتف حوله هذه القاعدة لتتجمع حول المذياع فى الدوار لأن ” راديو بلدنا فيه أخبار ” وتحولت نشرة الثامنة والنصف إلى النشرة الرئيسية فى الإذاعة المصرية وقاعدة إطلاق الأخبار الثورية المهمة بفضل أغنية محمد قنديل ” ع الدوار ” وكلما استمر المد الثورى وزادت مكاسب العمال والفلاحين أصبح صوت قنديل حاضرا وبقوة على الساحة الغنائية حتى بعيدا عن الأغانى الوطنية ، وربما هذا يفسر لنا لماذا كانت معظم علامات مشوار محمد قنديل هى ابنة عقدى الخمسينيات والستينيات بداية من : الغورية وبين شطين ومية ، ومرورا بمالى بيه ، 3 سلامات ، سماح ، إنشاللا ما اعدمك ، التمر حنة ، وحدة ما يغلبها غلاب ، أبو سمرة السكرة ، جميل وأسمر ، يا حلو صبح ، يا مهون ، وصولا إلى أغنية ماشى كلامك وبقية علاماته المميزة فى مرحلة الستينيات .

وحينما كنت أقوم قبل سنوات على كتابى ” محمد فوزى الوثائق الخاصة ” وقعت تحت يدى وثيقة مهمة ، وهى عقد احتكار شركة مصنع الشرق للاسطوانات ” مصر فون ” محمد فوزى وشركاه لصوت المطرب محمد قنديل ، تحمل تاريخ الرابع عشر من أكتوبر 1959 وتأكد لى أنه أول عقد أبرمته شركة الموسيقار محمد فوزى حتى قبل تعاقدها مع كوكب الشرق أم كلثوم فى العاشر من نوفمبر من العام نفسه ، أى بعد قنديل بأسابيع ما يشير بوضوح إلى حرص محمد فوزى على أن يكون قنديل وأم كلثوم أول صوتين تتولى شركته إنتاج أعمالهما ، فما بالنا وأن قنديل نفسه كان المطرب المفضل لدى كوكب الشرق حتى على محمد عبد الوهاب شخصيا ، فأى مكانة سامقة تلك التى كان يتمتع بها المطرب محمد قنديل بين زملائه وجمهوره ؟

هذه هى الكلمة التى قدمت بها لكتاب الصدبق محب جميل ” محمد قنديل .. 3 سلامات ” الصادر حديثا عن دار تنمية للنشر

محمد قنديل .. الصوت الصداح .. بقلم: الكاتب الصحفي والناقد السينمائي / أشرف غريب
صفحة كبار الكتاب بـ جريدة عالم النجوم

مايسة عبد الحميد

نائب رئيس مجلس إدارة الموقع
زر الذهاب إلى الأعلى