مقالات

حواء المجني عليها إلى متى؟ .. بقلم: الكاتب والروائي د.طارق منصـور

حواء المجني عليها إلى متى؟ .. بقلم: الكاتب والروائي د.طارق منصـور

حواء المجني عليها: إلى متى؟ .. بقلم: الكاتب والروائي د.طارق منصـور
د. طارق منصور

 العامة أن حواء هي من أغوت آدم عليه السلام وتسببت في شقاء الإنسان، حتى جعله الله في كبد؛ رغم أننا تعلمنا منذ نعومة أظفارنا أن الشيطان هو من وسوس لآدم وحواء فأكلا من الشجرة الملعونة، وخالفا أمر الله عز وجل لهما ألاَّ يقربا تلك الشجرة. وحينئذ غضب الله جل جلاله منهما، وأنزلهما من جنة الفردوس إلى دار الفناء، بعد أن تابا عن ذنبهما أمام الله. وهذا مثبت في سورة البقرة:

«وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ ۞ فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ ۖ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ ۞ فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ»
وهنا خرجت لنا نظريات ذكورية في ثقافتنا العامة، من المحيط إلى الخليج، تتهم حواء أنها هي السبب فيما أصاب آدم من شقاء على الأرض، والثانية ربطت كافة أشكال الغواية بحواء، وأن كل معصية يرتكبها آدم سببها الأنثى، وكأن آدم بريء مما أتى. ولنا أن نقرأ في سورة طه:
«فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى ۞ فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ۞ ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى.»

والمتأمل في الآيات القرآنية المذكورة وغيرها سيجد أن الشيطان هو من تربص بآدم وحواء، ووسوس لآدم بصفة خاصة، وهذه تشير إلى أن الأمر برمته كان في يد آدم -صاحب العصمة- فهو العليم بكافة الأسماء التي علمه الله إياها، وحين ذاق آدم من ثمر هذه الشجرة تبعته حواء فيما فعل بالسليقة، ووقعت أيضًا في المحظور.
وجاء العتاب من الله عز وجل لآدم أولاً، وإن كان في بعض الآيات الأخرى وجه الله عز وجل العتاب لهما. لكن بقيت المسؤولية الأساسية واقعة على آدم، وعاتبه الله على ما فعل، ولقنه كلمات تاب عليها؛ وهنا فعلت حواء بالتبعية الفطرية الأمر ذاته وكفَّرت أيضًا عما فعلته، رغم أنها لم تعرف ما عرفه آدم عن الأشياء كلها.

وفي الفنون القديمة وفنون عصر النهضة تم تصوير حواء في مشاهد إغراء لآدم، للإشارة إلى أنها مصدر الغواية، وهي تعرض مفاتنها عليه. وفي أسواق النخاسة عند العرب قديمًا، كانت تَعرض المرأة مفاتنها بصورة صريحة على السادة حتى يربح التاجر من ورائها بضعة دنانير بعد أن يقنع السادة بشرائها والاستمتاع بما لديها.

وفي قصور الخلفاء والسلاطين كان جناح الجواري هو الجناح المحرم على أي موظف في القصر دخوله عدا الطواشية -الذين أُفقدوا قدراتهم على الإنجاب وهم صغارًا- ولهذا الجناح مشرفته الخاصة المسؤولة عن تجهيز هذه الجارية أو تلك لمتعة السلطان حين يأمر، فإذا حملت منه وأنجبت أصبحت حرة.

وفي ثقافة مصر المحروسة منذ ثمانينات القرن الماضي أصبح المعتقد السائد أن كل فتاة غير محجبة هي فتاة غير ملتزمة، وأن أمثالها يتم اتهامهن بأنهن السبب في غواية الشباب، ومن ثم ظهور آفة التحرش بكل أشكاله، لاسيما التحرش الجنسي، الذي تعاني منه الفتيات والسيدات في الشارع العام وفي المواصلات العامة، حيث يسعى الشاب إلى تحقيق متعته بطرق غير مشروعة متباهيًا بما فعل أمام أقرانه، وحادثة فتاة العتبة ستظل شاهدًا على ذلك.

ومما يؤسف له أن العبارة التي تجدها على لسان البعض من ذوات العقول المتكلسة: “ماهي ياختي هي السبب، لو احتشمت وغطت راسها مكنش عمل معها كدة”. وهكذا، أصبحت الشماعة خروج الفتيات سافرات فحركن شهوة الشباب. وهنا يغض أصحاب تلك النظرية الطرف عن مستوى التعليم المتأرجح في بلادنا، والثقافة البنيوية الغائبة، والتربية التي تآكلت في زمن الانترنت، وفرص العمل الغائبة، والقنوط الذي أصاب بعض الشباب العاطل عن العمل، ولديه فائض من الوقت يدفع به لمشاكسة الآخر والتحرش به والسير عكس عقارب الأديان والأعراف والتقاليد.
ومن الصور المحزنة لحواء المجني عليها في مجتمعنا، ذلك الزوج الجائر دومًا على زوجته، فيحولها بقدرة قادر إلى أرنبة تنجب له طفلاً وراء الآخر حتى تأتي له بالولد؛ فإذا لم تأت به يصبح زواجهما معلقًا حتى يتم المطلوب، أو يصبح الطلاق من نصيبها لينعم زوج الندامة بالزواج من أخرى كي تنجب له الولد، وإذا ما تم أصبحت الأخيرة ست الدار ولها ما تشاء، أما أم البنات فهي في ثقافتنا “وش الفقر التي جلبت له الهم والغم هي وبناتها”.
والأسئلة التي تراودني دومًا: إلى متى ستظل حواء مجنيًا عليها في مجتمعاتنا العربية؟ وإلى متى سنظل نتناسى أن الله كرم بني آدم في شكله الذكوري والأنثوي على حد سواء، بينما يجتهد الرجل ليصور المرأة على أنها أدنى منه وأنها سبيل للمتعة فقط متجاهلاً كافة حقوقها في الحياة التي وهبها الله إياها؟ أليست ردة نعيش فيها؟

مايسة عبد الحميد

نائب رئيس مجلس إدارة الموقع
شاهد ايضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى