حمدي رزق يكتب: خَفَافِيشُ ونَسَانِيسُ!!
لفتنى البيان الإرشادى الذى نشرته وزارة الصحة والسكان عن طرق علاج فيروس «ماربورج» القاتل، من خلال إعطاء المحاليل الوريدية أو السوائل الفموية.
ولافت فى البيان حقيقة محزنة أنه حتى الآن لا توجد مضادات للفيروس، ويتم علاج الأعراض فحسب بالأدوية المعروفة مع احتمال بقاء الشخص على قيد الحياة!!.
وتنصح الوزارة بعزل المريض فى غرفة منفردة، ومنع أى أفراد من زيارته، ويُمنع قسرًا من الممارسات الزوجية، وإذا تدهورت الحالة وأسلمت الروح إلى بارئها، يوضع الجثمان بعد الوفاة فى أكياس غير قابلة للتسرب.
بيان الوزارة المقلق يستوجب معه التعرف على هذا الفيروس القاتل، فالبشرية معرضة لهجمات فيروسية مخيفة، وكأنها على موعد مع الموت، وهذا ليس مدعاة للتشاؤم، بلى ولكن ليطمئن قلبى، مستوجب الحذر، فالفيروس «ماربورج» قاتل بالمعنى الحرفى، وفتك بدول إفريقية شقيقة، والخشية من انتقال الفيروس إلى دول الجوار، فيتفشى عالميًّا كما حدث مع فيروس كورونا، الذى كلف البشرية ما بين (٦- ١٨ مليون وفاة).
التباين بين الأرقام المسجلة والمتوقعة فى حساب كورونا لا يغير حقيقة أن البشرية باتت فى اختيار صعيب، وعليها التركيز على صد الهجمات الفيروسية، بديلًا عن إشعال الحروب، واتقاء المجاعات الناجمة عن كوارث التصحر والزلازل، التى تضعف مقاومة البشرية للحمى الفيروسية.
طبيًّا فيروس «ماربورج» يسمى معمليًّا «حمى ماربورج النزفية»، التى تؤدى إلى النزف المميت، مرض وخيم وشديد الفتك بالناس يسبّبه فيروس من الفصيلة نفسها التى ينتمى إليها الفيروس المسبّب لحمى الإيبولا النزفية.. وهذه قصة أخرى لم تنته فصولها بعد.
رقميًّا يبلغ معدل إماتة حالات الإصابة بمرض فيروس الإيبولا نسبة ٥٠٪ تقريبًا فى المتوسط، وينتقل الفيروس إلى الإنسان من الحيوانات البرية، وينتشر بين صفوف التجمعات البشرية عن طريق سريانه من إنسان إلى آخر.
ويظهر الفيروسان، ماربورج وإيبولا، تحت المجهر الإلكترونى، فى شكل خيوط ممتدة تلتف لتشكّل أجسامًا غريبة فى بعض الأحيان، وتلك الخيوط هى التى استُلهم منها اسم «فصيلة الفيروسات الخيطية».
وهناك تشابه تام، من الناحية السريرية، بين حمى ماربورج النزفية وحمى الإيبولا النزفية على الرغم من اختلاف الفيروسين المسبّبين لهما. وكلاهما نادر، غير أنهما قادران على إحداث جوائح وخيمة تتسم بمعدلات إماتة مرتفعة.
تاريخيًّا، الفاشيات أو المتفشيات لم تستقطب اهتمام العلماء فى المعامل إلا بعد تفاقم تفشى المرض جرّاء العمليات غير الملائمة، التى تضطلع بها المواقع الصحية بهدف مكافحة العدوى، ما يزيدها تفشيًا ككورونا تمامًا.
المعضلة أنه لا يوجد لقاح ولا علاج محدّد لمكافحة فيروس «ماربورج» القاتل، ولا يزال العلماء يبحثون عبر دراسات «إيكولوجية» بمعنى «فلسفة علم البيئة» (أو الفلسفة الإيكولوجية)، وهى الفلسفة التى ترى البشرية بوصفها واحدة مع الطبيعة، العلماء يجتهدون من أجل تحديد «المستودع الطبيعى» الحاضن لفيروسى ماربورج والإيبولا على حد سواء.
لافت أن هناك إشارات تدل على أن الخفافيش تلعب دورًا فى تفشى الفيروسات القاتلة، قيل مثل هذا إزاء كورونا، ويمكن للنسانيس نقل العدوى أيضًا.
النّسْنَاسُ نوعٌ من القِرَدَة صغيرُ الجسم طويلُ الذَّنَب، والجمع نَسَانِيسُ، ولكنها لا تُعتبر من مستودعات المرض المعقولة، ذلك أن جميع الحيوانات الحاملة للعدوى تقريبًا تموت بسرعة فائقة، مما لا يترك مجالًا لبقاء الفيروس وسريانه. والمُلاحظ أيضًا أن الإصابات البشرية تحدث بشكل متفرّق.. وقانا الله الفيروسات ما ظهر منها وما بطن.
