العارف بالله طلعت يكتب: طقوس المصريين فى عيد الأضحى
ولا يزال لعيد الأضحى له طقوسه الاجتماعية الخاصة التي يحرص عليها المصريون منذ مئات السنين لارتباطه بمناسك الحج التي ما أن تنتهي حتى يبدأ العيد وتقديم الأضحي
وتكون عطلة الأضحى مناسبة للم شمل العائلات
وتبدأ طقوس عيد الأضحى باكرا جدا مع صلاة العيد وتأتي بعدها زيارة مدافن الأقرباء ووضع الزهور فوقها وتبادل الزيارات بين العائلات والأقارب وتكون فترة العيد خاصة في مناطق الصعيد فرصة للتصالح بين العائلات المتناحرة بالإضافة إلى الاهتمام الزائد بثياب العيد وتوزيع اللحوم على الفقراء وزيارة المرضى في المستشفيات
صلاة العيد:
والاحتفال بعيد الأضحى فى عهد الدولة الفاطمية كانت له طقوس ورسوم مميزة فكان يبدأ منذ يوم الوقفة حيث يكون الغالبية من المسلمين صائمين وتبدأ شعائر الاحتفالات عقب أذان المغرب فتجمل الشوارع والطرقات وتعليق الزينة ويخرج الناس يهنئون أصدقائهم وجيرانهم وتوضع الأضاحي أمام المنازل وتجهز المناحر ويبتهل المبتهلون بتكبيرات العيد وحتى صلاة العيد في الصباح.وبالنسبة لأول أيام عيد الأضحى فقد كان الخليفة يتجه إلى صلاة العيد وبعد الانتهاء منها يمتطي جواده المزين ويخرج في موكب مهيب وهو يرتدي ملابس العيد الجديدة ذات اللون الأحمر ويخرج معه الوزير وأكابر الدولة والأساتذة المحنكون فيتجهون إلى (المنحر) وهو دار النحر الخلافية حيث تكون فرشت حافتها بأغطية حمراء يتقى بها الدم وكانت تقوم في ركن خارجي من القصر.
وأن الخليفة كان يشترك بنفسه فى إجراءات النحر وقد جرت عادة الخليفة الفاطمى على نحر 31 أضحية أول أيام العيد ويحمل الجزارون كل بيده إناء مبسوطا يتلقى به دم الضحية ثم تقدم رؤوس الأضاحي إلى الخليفة واحدة فأخرى فيدنو منها وبيده حربة يمسك بها من الرأس ويمسك القاضي بأصل سنانها ويجعله في عنق الدابة في طعنها به الخليفة وتجر من بين يديه وهكذا حتى يأتي عليها جميعا وكلما نحر الخليفة رأسا جهر المؤذنون بالتكبير (الله أكبر)
وفي اليوم الثاني ينظم نفس الموكب الخلافي إلى المنحر وينحر الخليفة 27 أضحية وفي اليوم الثالث أيضا يخرج بنفس موكبه المهيب وينحر 23 أضحية ويجري توزيع لحم الأضحية خلال هذه الأيام الثلاثة على أرباب الرسوم في أطباق خاصة للتبرك ويقوم بالتوزيع قاضي القضاة وداعي الدعاة ويخصص نقباء الدعوة وطلبة دار الحكمة (دار العلم) بقسط من اللحوم الموزعة.
وعند انقضاء رسوم النحر يخلع الخليفة عند العودة إلى القصر على الوزير ثيابه الأحمر ومنديلا ملوكيا بغير سمة وفي موكب حافل من القصر ينطلق الوزير ويشق القاهرة حتى باب زويلة ثم يدخل من باب القنطرة إلى دار الوزارة وبذلك تنتهي رسوم النحر
وفي عصر الإمبراطورية العثمانية كان الاحتفال الرسمي يبدأ عقب أداء صلاة فجر أول أيام العيد حيث يصعد أمراء الدولة والقضاة في موكب إلى القلعة ويتوجهون إلى جامع الناصر محمد بن قلاوون داخل القلعة لأداء صلاة العيد ثم يصطفون لتهنئة الباشا وبعدها يتم ذبح الأضاحي ويتم توزيعها على المحتاجين والفقراء.
وفي اليوم التالي كان الباشا ينزل الاحتفال الرسمي بالعيد في (الجوسق) المعد له بميدان الرملية (القلعة) والذي فرش بأفخر الوسائد والطفافس ويتقدم للتهنئة الأمراء الصناجق (كبار البكوات المماليك) والاختيارية (كبار الضباط) و كتخدا اليكنجرية (الانكشارية) وتقدم القهوة و الحلوى والشربات وتفوح روائح المسك والبخور ثم يخلع الباشا على أرباب المناصب والأمراء كما يأمر بالإفراج عن بعض المساجين.
ومن أشهر طقوس عيد الأضحى العيدية هي إحدى أهم شهادات المصريين فى الأعياد وهي كلمة عربية منسوبة إلي العيد بمعنى العطاء أو العطف وترجع هذه العادة إلى عصر الفاطميين فقد حرصوا على توزيع العيدية مع كسوة العيد كهدية توزع على الفقهاء وقراء القرآن الكريم وكانت تقدم من الدراهم الفضية والذهبية وعندما كان الرعية يذهبون إلى قصر الخليفة صباح يوم العيد للتهنئة كان الخليفة ينثر عليهم الدراهم والدنانير الذهبية من شرفته بأعلى أحد أبواب قصر الخلافة.
وقد أخذت العيدية الشكل الرسمي في عهد المماليك فكان السلطان المملوكي يصرف راتبا بمناسبة العيد للأتباع من الجنود والأمراء ومن يعملون معه وكان اسمها الجامكية وتتفاوت قيمة العيدية تبعا للراتب فكانت تقدم للبعض على شكل طبق مملوء بالدنانير الذهبية وآخرين تقدم لهم دنانير من الفضة وإلى جانب الدنانير كانت تقدم المأكولات الفاخرة وفي العصر العثماني أخذت العيدية أشكالاً أخرى حيث كانت تقدم نقوداً وهدايا للأطفال واستمر هذا التقليد إلى العصر الحديث بمنح العيدية للأطفال سواء أبناء الأسرة الواحدة أو أبناء الأقارب لتمكينهم من شراء ما يحلو لهم والاستمتاع بالعيد.
وإذا كانت اللحوم هي الطبق الرئيسي فهناك مأكولات موروثة وأساسية على مائدة البيوت المصرية؛ في العيد وأهمها الفتة. وبرغم أن هناك العديد من أنواع من ال وبرغم تنوع الطرق التي في تقديمها تظل الفتة بالخل والثوم هي الطبق الأساسي للفتة بالنسبة للمصريين.
وسميت الفتة بهذا الاسم نظرا لأنها تتكون من فتات الخبز بالإضافة للمكونات الأخرى من اللحم والمرقة والأرز وهي عادة صحية إذا تم تناولها بنسب معقولة حيث إن تناول اللحوم مع الأرز مهم جدا
كما يحرص معظم المصريين على تناول كبد الخروف في إفطار أول أيام العيد وكذلك (الفواكه) وهي عبارة عن أحشاء (الذبيحة) وتتمثل في (الفشة والكرشة والكوارع والممبار ولحمة رأس والطحال) وتعد هذه الفواكه هي الطبق الرئيسي للعديد من الأسر محدودي الحال
ويعتبر(الرقاق )أحد أهم الأكلات المصرية ؛خصوصا في العيد وهو من الموروثات المصرية القديمة وسمي بذلك الاسم نظرا لكون مواده الأساسية هي الدقيق والماء؛ ويتم إعداده في شكل طبقات رقيقة هشة وجرت العادة أن يتم إعداده قديما في الأفران البلدية التقليدية حيث تنتشر صانعات الرقاق الريفيات قبل العيد بفترة غير قصيرة ويجمعنا الدقيق من المنازل ثم يقمن بعمل الرقاق وتوصيله للمنزل ولكن مع تطور الحياة بدأت المصانع ومحلات متخصصة في إنتاج الرقاق لكن يبقى للرقاق التقليدي مذاقه ونكهته الخاصة وارتباط هذا الشكل القديم بتقاليد وعادات توارثتها الأجيال منذ القدم.
ومن العادات المتبقية أيضا زيارة الأخوات المتزوجات وتقدم لهن الأموال وجزء من لحم الأضحية. ويحرص الشباب على الخروج في جماعات للنزهة في النيل كما يشهد خليج القاهرة وبركة الأزبكية وبركة الفيل وجزيرة الروضة ازدحاما هائلا وكانت مدافع القلعة تطلق أيام العيد الأربعة في أوقات الصلاة الخمسة.