حمدي رزق يكتب… خطيئة ميدو
أخطأ الكابتن أحمد حسام «ميدو» واعتذر علانية لكل طبيب تأذى من حديثه تحت ضغط أزمة مرضية ألمّت بعزيز عليه، وأبدى تعاطفًا مع جموع الأطباء، مطالبًا بتحسين أجورهم ليؤدوا وظيفتهم على أكمل وجه.
غضبة نقابة الأطباء طبيعية ومنطقية ومبررة، منوط بها حماية أعضائها من تغول البعض، وتجاوز البعض، قولًا كما فعل ميدو، وفعلًا بالاعتداء عليهم في المستشفيات والوحدات الطبية.. النقابة خط الدفاع الأول عن الأطباء، وتمارس هذا الحق وفق القانون، لا تتجاوزه، وعلى رأسها نقيب مقدر، الدكتور حسين خيرى، الذي لا يُسمع له صوت، ولكن يعمل في صمت لرعاية إخوته من الشرور المجتمعية.
في سياق زوبعة «ميدو» لافت حديث أجور الأطباء وعدم كفايتها، ما يؤدى إلى هجرتهم هجرة مؤقتة بعقد عمل خليجى في الأغلب الأعم، أو هجرة دائمة، وهذه «أم القضايا» المستوجب التوقف أمامها بحثًا عن حلول واقعية في سياق مجتمعى.. المنظومة الطبية تنزف بشدة، والنقص فادح في كثير من التخصصات، وسيستمر النزيف إذا لم يحدث تدخل جراحى حاسم من قبل وزارة الصحة يوقف النزيف أولًا.. ويعالج آثاره تاليًا.
حديث المقارنات بين دخول الأطباء ولاعبى الكرة غير مهضوم، وفيه تزيّد، فليس كل لاعبى الكرة يحصدون الملايين كما يتخيل البعض، وليس كل الأطباء يترجون العيش الكريم كما يتزيد البعض، المقارنة جد ظالمة، والمعادلة لا تستقيم.
يصح مقارنة الأطباء بأحوال المهندسين مثلًا، ولكن لاعبى الكرة في سياق مختلف، حتى لا تصح مقارنتهم ببقية الألعاب، لاعبو الكرة قصة تانية خالص.. إعلانات وحقوق بث تليفزيونى، وبيع فانلات، وهلم جرا.. عالم تانى يحدثك عنه «ميدو» كثيرًا.
ما نرجوه، ودون أحقاد اجتماعية، هو الحد الأدنى لحياة كريمة للأطباء، ورُب صدفة، حديث «ميدو» يكون مفتتح الحديث عن «كادر جديد» للأطباء يوفر لهم متطلبات الحياة الكريمة. وهم يستحقون، مرابطون على الخطوط الأمامية في مواجهة الوباء، وسقط من بين صفوفهم نحو ٦٠٠ شهيد في ظرف عامين، ويعملون في ظروف قاسية، ولساعات طويلة، وتحت ضغط مجتمعى هائل، مفزع ومرعب، يعملون تحت التهديد في ظل ثقافة مجتمعية تُحمّل الطبيب الغرم مهما كانت حالة المريض، ويخضع الطبيب للمساءلة مرتين، من النقابة والمحكمة.. ويا ويله ويا سواد ليله إذا أخطأ.. مع أن الأخطاء المهنية واردة حتى في كرة القدم وفى حلق المرمى!.
ما فاه به «ميدو» ويؤخذ عليه عتابًا، بلاها حكاية البلاغات إياها، يلفتنا إلى القضية الأهم: الأجور في المنظومة الطبية.. وأرجو ألا يحرفنا عنها الحديث عن أجور كبار الأطباء، هؤلاء كريمة المجتمع الطبى، لا يقاس عليهم، كما لا تقاس أجور نجوم الكرة على لاعبى دورى المظاليم.
ما يستوجب نظرة من الدكتور خالد عبدالغفار (وزير الصحة بالإنابة) ممثلًا للحكومة، دراسة واقعية معمقة للأجور في المنظومة الطبية في سياق منظومة الأجور عامة.. الأطباء لا يطلبون وضعًا خاصًا، ولكن وضعًا كريمًا يتوافق مع طبيعة العمل، وهم عُرضة للعدوى من الأمراض التي يتوفرون على علاجها.. وهذا بيت القصيد.