حمدي رزق يكتب… لا ضَررَ ولا ضِرارَ
لم يأتِ بجديد، تعقيب المتحدث باسم وزارة الخارجية الإثيوبية، السفير «دينا مفتى»، على بيان الاتحاد الأوروبى بشأن سد النهضة، يجافى تمامًا الحقائق التاريخية والاتفاقيات الدولية المستقرة فى حوض النيل، وينسف كل الجهود الدولية المقدرة لحفز الدول الثلاث (مصر والسودان وإثيوبيا) لإنجاز اتفاق ملزم يحقق المصالح المائية المشتركة «لا ضَررَ ولا ضِرارَ».
حتى البيان الأوروبى جاء فى حده الأدنى، دعا الأطراف الثلاثة إلى «التوصل لاتفاق مقبول لدى كافة الأطراف، وملزم حول ملء وعملية تشغيل السد». ماذا فى هذا البيان ليثير ثائرة الخارجية الإثيوبية، لتصف البيان بأنه «متحيز وغير مقبول بكل المعايير، وأنه يهدف إلى ضمان الحصة التاريخية لمصر من الاتفاقيات الاستعمارية والتى لا تعطى الحق لبقية دول حوض النيل»؟
وهل تتخيل إثيوبيا مثلًا أن مصر ستتخلى عن حصتها التاريخية، أو تفاوض عليها، وهل يدور بخلد المفاوض الإثيوبى أن صمت مصر على جملة الاستفزازات الإثيوبية، وتصرفاتها الأحادية، من قبيل الرضا؟!.
الفكرة المسيطرة على الذهنية الإثيوبية بفرض الأمر الواقع على دولتى المصب، باعتبارها دولة المنبع، وتوقع رضوخ مصر والسودان للإملاءات الإثيوبية ضرب من الخيال، والموقف المصرى واضح وعادل ومقنع لكل الأطراف الدولية المنخرطة فى هذه القضية، ابتداء من مجلس الأمن، مرورًا بالولايات المتحدة الأمريكية، وانتهاء بالاتحاد الأوروبى الذى عبَّر بيانه عن موقف دولى ثابت من ضرورة الاتفاق الملزم الذى يراعى الاتفاقيات الدولية.. لا يحيد عنها.
كلام غريب ما تحدث به «دينا مفتى» يقول:
«موقف إثيوبيا ثابت فى قضية مياه نهر النيل، لاسيما فى قضية سد النهضة»، وبلاده «تعمل لضمان المصالح المشتركة بين الدول الثلاث»، أين ترجمة هذا القول على أرض السد؟ إثيوبيا تذهب إلى الملء الثالث بتصرف أحادى مرفوض جملةً وتفصيلًا، دون الالتفات لضمان المصالح المشتركة، وتضرب عرض الحائط بالمستقر من اتفاقيات دولية، تحت زعم أنها اتفاقيات استعمارية، متى استعمرت مصر إثيوبيا؟ منطق غريب وعجيب لا يخيل على حاذق.
إثيوبيا تعلن استعدادها لاستئناف المفاوضات كذر للرماد فى العيون، وهى تتجهز للملء الثالث، عادة يصاحب الشروع فى ملء السد حديث إثيوبى عن المفاوضات، نتفاوض ونحن سادرون فى الملء، وكأنهم بالمفاوضات يبررون الملء، وهذا ما ترفضه مصر والسودان إجمالًا وتفصيلًا.
الموقف المصرى تحديدًا لم يتغير ولن يتغير، حق مصر فى مياه النيل ثابت ومقرر، والرئيس السيسى فى آخر تصريحاته فى «مدينة السادات» كان واضحًا، قال: «كلامى ليس كثيرًا، ومحدش هيقرب من مياه مصر، وأنا بتكلم بالدبلوماسية وطولة البال، وكل الطرق»، معلوم «طولة البال تبلغ الأمل».. هذا موقف مصر الواضح والقاطع، مصر دولة سلام، والطريق الدبلوماسى قد يوفر حلًا إذا خلصت النوايا، ولكن النوايا الإثيوبية كما يعبر عنها «المتحدث الإثيوبى» كل حين تشى بنوايا عدوانية، واجتراء على المعاهدات التاريخية، وسعى خبيث لخلق واقع.. مرفوض.
سياسة الأمر الواقع مرفوضة مصريًا ودوليًا، والصبر على الاستكبار الإثيوبى لن يستمر طويلًا، ورغم التحرشات السياسية الإثيوبية المستدامة، وعلى مستويات سياسية ودبلوماسية عدة، لم ينفد صبر مصر بعد، ولن ينفد، حبال الصبر طويلة. اسْتَمْرأ الكَيْد والمكايدة السياسية، وقبل كل جولة مفاوضات تصدر تصريحات عدائية لعرقلة المسار، وتجميد المفاوضات، ولفت الانتباه عن القضية الأساسية، حقوق مصر والسودان القانونية والتاريخية والعادلة فى مياه النيل الأزرق.