مقالات

دينا شرف الدين تكتب: الزيادة السكانية ومعوقات التنمية..” أسرة صغيرة.. حياة أفضل”

دينا شرف الدين تكتب: الزيادة السكانية ومعوقات التنمية..” أسرة صغيرة.. حياة أفضل”

دينا شرف الدين تكتب: الزيادة السكانية ومعوقات التنمية.." أسرة صغيرة.. حياة أفضل"
دينا شرف الدين

أتحدث بمقال اليوم عن العدو الأول للتنمية بأى مكان على وجه الأرض وهو الزيادة السكانية، تلك التى تلتهم بطريقها أى ثمار لأى مجهودات تقوم بها الدولة لتحسين الأحوال الاقتصادية التى بدورها ستعود على المواطنين بشكل أو بآخر، وترفع من مستويات الدخل القومى، وتحقق نوعا من أنواع الهدوء والتقاط الأنفاس، وهذا لن يتحقق أبداً لطالماً كان هناك من يلاحقه بل ويسبقه بخطوات ليحبط عمله ويقلص حجمه أمام هذا المارد الذى يلتهم بطريقه الأخضر واليابس، وتستمر عمليات الإنجاب فى تزايدها لترفع معدل الزيادة السكانية بشكل مخيف، كما لو كنا نعود للخلف مئات السنوات من الجهل قبل أن يكون هناك تعليم وتوعية وتقدم، قد سبقتنا إليه معظم دول العالم .

أتذكر عندما كنت طفلة إعلانات تنظيم الأسرة التى كانت تذاع بقنوات التليفزيون المصرى طوال اليوم، والتى من شدة تأثيرها وجودة تنفيذها كنت أحفظها عن ظهر قلب وما زلت حتى الآن، على الرغم من أننى لم أكن أعى جيداً معانى الكلمات ولا المقصود منها، لكنها كانت جذابة لتعلق بذهنى وذاكرتى وذاكرة المجتمع كله، كأغنية حسانين ومحمدين للفنانة فاطمة عيد، وإعلان شلبية بطريقة الرسوم المتحركة.

وفى أواخر ثمانينيات القرن الماضي، تصدّرت الفنانة الراحلة كريمة مختار حملة واسعة، تدعو المصريين إلى تنظيم الأسرة، مركزة على النساء فى الريف، وقدمت أسلوب توعية خاصاً باستخدام وسائل منع الحمل.

ولم تتوقف الحملات المصرية التى تدعو إلى تحديد النسل على مدار عقود ماضية، والتى يرجع تاريخها إلى ما قبل الثمانينيات كثيراً، إذ تم تأسيس “المجلس الأعلى لتنظيم الأسرة” عام 1965، كما خرجت أول فتوى بإجازة استخدام وسائل تنظيم النسل عام 1938، التى أصدرها مفتى الديار المصرية آنذاك عبد المجيد سليم البشرى.

و لكن، على الرغم من تحقيق هامش إيجابى بسيط، غلبت النتائج السلبية فى المعظم، ليصل معدل الخصوبة حالياً إلى 3.4 طفل لكل امرأة، ما دفع البرلمان أخيراً إلى مناقشة مشروع قانون لتنظيم النسل، ينص على تقليص الدعم الحكومى للأسرة التى لديها أكثر من طفلين.

ولا يبدو أن الحملات المجتمعية والإعلامية ستكون كافية فى مواجهة تنامى معدل المواليد فى مصر خلال الأعوام القليلة الماضية، إذ تشير التوقعات إلى سيناريوهات أسوأ ربما تستلزم تدخلاً حكومياً صارماً.

ففى حين تضاعف عدد المصريين أربع مرات تقريباً منذ عام 1960، تحمل المؤشرات تضاعفاً مرة أخرى بحلول عام 2050، ما يهدد خطط التنمية وسط محدودية موارد الدولة، التى يتجاوز عدد سكانها 100 مليون نسمة.

وفى ظل السيناريو الأكثر تفاؤلاً، تستهدف الحكومة المصرية خفض معدل الخصوبة إلى 2.1 بحلول 2032، مع استمرار خفض المعدل، ليصل إلى 1.65 بحلول 2052. غير أنه وفقاً لتقديرات نشرتها وكالة “بلومبيرج” الأمريكية، فإنه فى حال وقوع أسوأ سيناريو، وهو استمرار معدل الخصوبة عند 2.1 بحلول عام 2052، سيعنى ذلك وصول عدد سكان مصر إلى 191.3 مليون نسمة، وهى زيادة تساوى عدد سكان كندا والسعودية والبرتغال مجتمعين.

فليس من السهل كبح النمو السكانى لطالما استمرت نظرة المصريين إلى الأطفال على أنهم “خير”، ويتم إنجابهم استناداً إلى ثقافة المثل الشعبى الرائج “كلّ عيّل بيجى برزقه”.

إذ تم العبث بالشخصية المصرية كما تم إخراجها عن شكلها ومضمونها لتتحول شيئاً فشيئاً من التحضر والرقى إلى التراجع والتدنى الفكرى والثقافى لينتهى بها الأمر منذ أقل من عقدين من الزمان إلى الاقتراب من الثقافة البدوية الوهابية المتشددة، والتى دون شك أصابت المجتمع بالتخلف الفكرى ونشرت الجهل والخرافات التى انتهت بنا إلى مجتمع لا يبالى بما كان يسمى بتنظيم الأسرة !

فقد كانت غالبية الأسر المصرية منذ بداية الثمانينيات وحتى نهاية التسعينات تقريباً، تقرر أن تكتفى بطفلين فقط لتتمكن من رعايتهم مادياً وخلقياً وتعليمياً، ومن كان يخرج عن المألوف كان مجرد استثناء .

كان ذلك قبل أن تتوقف نهائياً تلك الحملات الإعلانية التوعوية الجميلة ويتغير شكل وفكر المجتمع ليتباهى كل زوج وزوجة بعدد الأولاد، وتحريم عملية تحديد النسل كتبعة من تبعات التطرف الفكرى الذى أصاب المجتمع فى مقتل.

نهاية:

إن كنا نرجو إصلاح ما أفسدته سنوات العشوائية والجهل وتراجع الوعى، فعلينا بالعودة السريعة لتحديد النسل الذى سيعم علينا جميعاً بالخير، فكيف لنا أن نتطلع لحياة أفضل ومعيشة أرغد ورعاية صحية وتعليمية ورخاء اقتصادى ونحن نتزايد بهذا الشكل المرعب الذى لن تلاحقه كافة الإصلاحات؟، فالدولة لا تمتلك العصا السحرية لتلبية كل الاحتياجات دون تعاون جاد ومساندة شعبية حقيقية، إذ إن هذه الدولة كالأسرة التى يعجز ربها عن تلبية احتياجات أبنائه الكثر، فإن كانوا أقل نال كل منهم حظاً أسعد من هذا الذى لديه من الأولاد ما يحنى ظهره ويقلل من حيلته ليفى بمتطلباتهم ،فما يتم توزيعه على اثنين لن يكون ذى قيمة إن كانوا خمسة . ولنعود من جديد لـ”أسرة صغيرة.. حياة أفضل”.. وللحديث بقية.

نهى مرسي

نائب رئيس تحرير الموقع
زر الذهاب إلى الأعلى