العارف بالله طلعت يكتب : التعاون الاقتصادي بين الصين والدول العربية في إطار مبادرة الحزام والطريق
توجه الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى العاصمة الصينية بكين، تلبية لدعوة الرئيس الصيني “شي جينبينج” للقيام بزيارة دولة لجمهورية الصين الشعبية، ستتضمن عقد مباحثات قمة بين الرئيس والرئيس الصيني، ولقاءات مع كبار قيادات الدولة الصينية، حيث ستتم مناقشة أوجه تعزيز العلاقات الثنائية وفتح آفاق أوسع للتعاون في مختلف المجالات، تزامنا مع الذكرى العاشرة لترفيع العلاقات بين مصر والصين إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية الشاملة.
والمباحثات ستشمل كذلك مختلف القضايا الإقليمية والدولية محل الاهتمام المشترك، وعلى رأسها الحرب في غزة، وسبل استعادة الاستقرار في المنطقة، بما يحقق تطلعات شعوبها نحو السلام والأمن والتنمية.
من المقرر أن يلتقي الرئيس السيسى برؤساء عدد من كبرى الشركات الصينية العاملة في مجالات متعددة، حيث ستتم مناقشة فرص جذب مزيد من الاستثمارات إلى مصر، في ضوء توجه الدولة لتعزيز آليات توطين الصناعة ونقل التكنولوجيا، من خلال التعاون مع القطاع الخاص والاستثمار الأجنبي المباشر.
الزيارة ستتضمن أيضاً حضور الرئيس السيسى الجلسة الافتتاحية للاجتماع الوزاري العاشر لمنتدى التعاون العربي الصيني الذي يعقد يوم ٣٠ مايو الجاري، بمشاركة الرئيس الصيني وعدد من القادة العرب، والذي من المقرر أن يناقش مختلف أوجه العلاقات العربية الصينية وسبل تعزيزها.
تعكس زيارة قادة الإمارات والبحرين ومصر وتونس إلى الصين وحضور المؤتمر الوزاري العاشر لمنتدى التعاون الصيني العربي أهمية العلاقات المشتركة بين بكين والدول العربية، وتطلعات الجانبين لتعزيز التعاون في مختلف المجالات.
ومن شأن تلك الزيارة المساهمة في تعزيز ودفع العلاقات إلى مستويات أعلى، بما يخدم المصالح المشتركة ويعزز الاستقرار والازدهار في المنطقة، وسط مجموعة من القضايا والملفات ذات الاهتمام المشترك، علاوة على المشاريع الرئيسية التي تجمع الجانب العربي وثاني أكبر اقتصاد في العالم.
تبزغ أهمية تلك الزيارة في وقت تحتل فيه العلاقات العربية الصينية مكانة مهمة على الساحة الدولية، إذ تجمع بين الطرفين مصالح استراتيجية واقتصادية وثقافية متنوعة.
تمتد جذور هذه العلاقات إلى عصور تاريخية قديمة، وتطورت بشكل ملحوظ في العقود الأخيرة لتشمل مجالات هتعاون متعددة.
تعود العلاقات بين العالم العربي والصين إلى طريق الحرير القديم.
حيث كانت البضائع والأفكار تتبادل عبر هذا الممر التجاري الحيوي.
تشهد العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الدول العربية والصين نموا مطردا، حيث أصبحت الصين الشريك التجاري الأكبر لعديد من الدول العربية. تشمل هذه العلاقات تصدير النفط والغاز من الدول العربية إلى الصين، واستيراد المنتجات الإلكترونية والميكانيكية وغيرها من الصين من قبل الدول العربية.
كما تسعى الصين لتعزيز استثماراتها في البنية التحتية في الدول العربية، من خلال مبادرة “الحزام والطريق” التي تهدف إلى إعادة إحياء طريق الحرير براً وبحراً.
وتعد الطاقة من أبرز مجالات التعاون بين الصين والدول العربية، حيث تعتمد بكين على النفط والغاز العربي لتلبية احتياجاتها المتزايدة من الطاقة. ووقعت عديد من الاتفاقيات بين الجانبين لتطوير مشاريع مشتركة في مجال الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، مما يسهم في تنويع مصادر الطاقة وتعزيز الاستدامة.
الصين والدول العربية في مجالات التكنولوجيا والابتكار، حيث تقدم الصين خبراتها في مجالات الاتصالات وتقنية المعلومات إلى الدول العربية. وتم في هذا السياق توقيع عديد من الاتفاقيات لإنشاء مناطق اقتصادية خاصة، وتطوير البنية التحتية الرقمية، وتعزيز التعاون في مجال الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحيوية
وتتمتع العلاقات الاقتصادية العربية الصينية بآفاق واسعة للتطور في المستقبل، مدفوعة برغبة مشتركة في تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري والثقافي.
وتعزيز الشراكات الاستراتيجية وتنويع مجالات التعاون، بما يحقق المصالح المشتركة ويسهم في تعزيز الاستقرار والتنمية المستدامة في المنطقة والعالم.
يمكن أن تسهم الشركات الصينية في بناء وتطوير شبكات النقل والطاقة في الدول العربية.. الصين لديها تاريخ طويل من الاستثمار في البنية التحتية، وقد خصصت بالفعل مليارات الدولارات في مشاريع مماثلة في أفريقيا وآسيا.
يمكن أن يشمل التعاون في قطاع الطاقة مشروعات لتطوير محطات الطاقة الشمسية والرياح، حيث تسعى الدول العربية لتنويع مصادر الطاقة بعيداً عن النفط.
وتشهد العلاقات التجارية تحسنا كبيرا، في تقدير أرشيد، الذي يشدد على أن الصين تعتبر الشريك التجاري الأكبر للدول العربيةمن خلال تعزيز التعاون الاقتصادي والاستثماري، يمكن للدول العربية زيادة صادراتها إلى الصين.
خاصة في قطاعات مثل البتروكيماويات والزراعة. على سبيل المثال، مصر يمكن أن تستفيد من زيادة صادراتها الزراعية إلى السوق الصينية، حيث تعتبر الصين من أكبر المستهلكين للمنتجات الزراعية في العالم لتحقيق أقصى استفادة من هذه الزيارة،
ينبغي للدول العربية العمل على تعزيز الشراكات الاستراتيجية مع الصين في مجالات التكنولوجيا والابتكار، والتعاون في مجال الذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا المعلومات، بما يمكن أن يفتح آفاقاً جديدة للتنمية الاقتصادية.. في هذا الإطار، يمكن لتونس على سبيل المثال أن تستفيد من الخبرة الصينية في تطوير المدن الذكية والبنية التحتية الرقمية لتعزيز قطاع التكنولوجيا لديها التعاون الاقتصادي
وهناك فرصاً كثيرة لتعزيز التعاون الاقتصادي بين الصين والدول العربية، خاصة في إطار مبادرة الحزام والطريق، وهي المبادرة التي توليها الصين اهتماماً واسعاً وتخصص لها استثمارات طائلة؛ من أجل توسيع تجارتها الدولية وإقامة تشابكات اقتصادية وتجارية مع عديد من الدول.
وهناك عديد من الدول العربية تقع ضمن نطاق هذه المبادرة، سواء في البر والبحر، وهذا يمثل فرصة مشتركة في تعزيز البنية التحتية وإقامة الموانئ والمطارات والمشروعات وتوطين التكنولوجيا في هذا المسار، وبما يخدم المصالح المشتركة بين الطرفين.
والصين لديها استثمارات متزايدة في عديد من الدول العربية -لا سيما الخليج ومصر- وبما يعكس التوجه الصيني لتعزيز استثماراتها في الشرق الأوسط، بالتوازي مع توجه عربي واسع نحو تعزيز الشراكات مع بكين في إطار ما يسمى “التوجه شرقاً” وتنويع العلاقات الاقتصادية مع عديد من دول العالم.
الصين ثاني أكبر اقتصاد على المستوى العالمي، وهو ما يعد فرصة أمام الدول العربية؛ لتعزيز الشراكات القوية التي يمكن توظيفها على نطاقات واسعة، خاصة في ظل هذا التوجه العربي والخليجي بشكل خاص لتنويع الصادرات غير البترولية والاستعداد لمرحلة ما بعد النفط وتوطين التكنولوجيا.
وهناك تحديات تقنية تتعلق بضرورة إنشاء طرق ومسارات جديدة؛ لتعزيز التجارة مع الصين، بالاضافة إلى تحديات خاصة بالجوانب التشريعية، وهو ما تعمل عليه الدول العربية في سياق إصلاح البيئة التشريعية؛ لجذب مزيد من الاستثمارات الصينية، فضلا عن ضرورة وجود رؤية عمل عربية مشتركة فيما يتعلق بالتعامل مع الصين، في خط متواز مع تعزيز التجارة البينية بين العرب ليكونوا أكثر قوة وتعظيم الشراكة الاقتصادية مع الصين.
و وجود عديد من الفرص الاستثمارية، فيما يتعلق بالاقتصاد الأخضر والتوسع في الطاقة المتجددة وتعزيز الاستثمارات التكنولوجية والذكاء الاصطناعي، والأمن الغذائي والتوسع الزراعي، وجميعها ملفات حاضرة في المباحثات المستمرة بين الدول العربية وبكين.
وبحسب بيانات منتدى التعاون الصيني العربي، فإنه في العام الماضي 2023، حقق التعاون الاقتصادي والتجاري العملي بين الصين ودول الشرق الأوسط إنجازات لافتة للأنظار، حيث نفذت “الأعمال الثمانية المشتركة” للتعاون العملي بين الصين والدول العربية التي طرحها الرئيس شي جينبينغ في القمة الصينية العربية الأولى على نحو شامل، ووقعت الصين مع جميع الدول العربية اتفاقيات التعاون بشأن بناء “الحزام والطريق”.
المنتدى يلعب دورا محوريا في صياغة ومتابعة أطر التعاون بين الجانبين الصيني والعربي. وسيتم خلال هذه الدورة وضع برنامج عمل التعاون العربي- الصيني خلال العامين المقبلين حتى الدورة التالية للاجتماع الوزاري والقادة العرب والصينيون على مواصلة تعزيز التواصل في المجالات كافة، على ضوء ما تشهده العلاقات بين الجانبين من تطور ملحوظ.
على صعيد التعاون الاقتصادي مثلا، باتت الصين الشريك التجاري الأول للدول العربية وهناك تعاون بين الجانبين في تنفيذ مشروعات البنية التحتية، من إنشاء البنايات السكنية والطرق، إلى بناء السكك الحديدية فائقة السرعة ومحطات توليد الكهرباء وأنابيب نقل النفط والحفر والاتصالات والموانئ.
وهناك توقع أن يستمر نمو حجم التبادل التجاري بين الجانبين العربي والصيني، مع ميل الميزان التجاري للصين مع الدول غير المصدرة للطاقة، وأن يكون هناك توازن مع الدول العربية المصدرة للطاقة.
وهناك مجموعة من العوامل التي أسهمت في وصول العلاقات بين الصين والعالم العربي لهذا المستوى الرفيع، ذلك أن أغلبية الدول العربية وقعت شراكات استراتيجية كاملة مع الصين، وهذا الأمر لم يأت من فراغ لكن جاء لمجموعة من العوامل.
هذه العوامل تتمثل في الشراكة في عديد من القيم بين العالم العربي والصين، إذ يؤمن كلا الطرفين بضرورة تعزيز السلام والاستقرار في العالم، وكذا الإيمان بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، والعمل على الدفع بالحلول السياسية والدبلوماسية كأفضل السبل لحل أي خلاف ينشأ بين الدول.. هذه الشراكة في المبادئ دفعت الثقة في التعامل الاقتصادي والتجاري بين الطرفين.
وهناك فرصاً واسعة لتعزيز التعاون مع الصين، وبما يتطلب توقيع وتعزيز اتفاقيات التجارة الحرة مع الصين، لا سيما مع دول الخليج، وهو ما سيحدث نقلة نوعية، وذلك باعتبار الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وهو ما سيمثل بداية وتاريخا جديدا بين الصين ودول التعاون الخليجي والدول العربية عموماً.
وضرورة وجود مثل هذه الاتفاقيات بصورة أوسع، بنفاذ البضائع العربية بشكل واسع إلى الأسواق الصينية، بحيث تكون العلاقات التجارية قائمة على ربح الطرفين، بالإضافة إلى فرص تأسيس صناديق استثمار مشتركة، حيث تتواجد مساحة يمكن العمل عليها مثل فرص استثمار الصين في الزراعة في الدول الأفريقية، ومن بينها دول عربية.
وهناك فرص لزيادة التعاون في مجالات الطاقة الجديدة، كما يمكن إنشاء مناطق صناعية مشتركة والاستفادة من الخبرات الصينية.
وعلى صعيد أبرز التحديات، الأزمات السياسية التي تمر بها بعض دول المنطقة والعالم تمثل أبرز التحديات، إذ فرضت الحرب في أوكرانيا واقعاً جديداً يشكل تحدياً أمام تدفقات التجارة، بالإضافة إلى الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وتبعاتها المؤثرة.
أهمية المؤتمر الوزاري العاشر لمنتدى التعاون الصيني العربي، خاصة أنه يمثل نقطة هامة وفارقة تشكل خلاله أطر و العربي الصيني بشكل أوضح.
وهناك مجموعة من المشروعات المطروحة على طاولة الحوار بين الصين وقادة الدول العربية، أهمها ما يتمثل في طريق الحرير، ومجموعة التحديات التي فرضت نفسها في الفترة الأخيرة وبما يتطلب مناقشتها بشكل أوسع .
.