مقالات

جنين بلد الصمود في وجه القمع الإسرائيلي وأثر ذلك محليًا ودوليًا على الاستقرار بالمنطقة

جنين بلد الصمود في وجه القمع الإسرائيلي وأثر ذلك محليًا ودوليًا على الاستقرار بالمنطقة

جنين بلد الصمود في وجه القمع الإسرائيلي وأثر ذلك محليًا ودوليًا على الاستقرار بالمنطقة
صورة أرشيفية

بقلم د. / ماهر جبر

جنين بين الضعف العربي الحاصل والضمير الدولي الغائب.

الحق، القوة، المجتمع، السلطة الحاكمة.
أربع مصطلحات يربط بينها رباط وثيق، فالحق والقوة متلازمان إذا ذكر أحدهما قفز إلى الذهن ذكر الآخر ، لا نقصد بتلازمهما أنهما مترادفان معنى وتطبيقا ، إنما دائماً الحق يعلو القوة، ويكبح جماحها ، بل ويرسم لها الخطى التي تسير عليها، فالحق دائماً وأبدأ فوق القوة ، كذلك يتلازم المصطلحان الآخران وهما المجتمع والسلطة الحاكمة سواء كان المجتمع بمعنى الشعب أو الامة، أو حتى المجتمع الدولي ، والسلطة الحاكمة سواء كانت الحكومة في أي دولة أو حتى المنظمات الدولية التي تقود وتوجة وتقرر مصائر المجتمعات في العالم اجمع ، وبالتالي فتلازم المصطلحين هنا كذلك يعني أن الأمة أو المجتمع الدولي يعلو على الحكومة أو المنظمات الدولية ، وبالتالي فالأمة فوق الحكومة.
إذٱ خلصنا إلى المقولة الخالدة لخالد الذكر سعد زغلول بأن الحق فوق القوة والأمة فوق الحكومة ، وتلك حقيقة لا نراها إلا في الحكومات والأنظمة التي تعتنق العدل ديدنٱ ومذهبٱ .
أما الآن فالعالم تسوده شريعة الغاب فالقوة فوق الحق، والحكومة والأنظمة الدولية تذيق الشعوب الضعيفة الذل والهوان ولو كان الحق معها، وتدلل الأقوياء رغم اغتصابهم حقوق الضعفاء.
وأكبر دليل على ذلك ما يحدث في جنين الفلسطينية، وفي تاريخ اسرائيل بكل ما يحمله من مآسي للعرب ما يؤيد ذلك ويؤكده، فما أشبه الليلة بالبارحة، وما بين مدرسة بحر البقر ومستشفى جنين تأكيد على فاشية إسرائيل وهمجيتها، وحماية المجتمع الدولي الخاضع لهيمنة الصهيونية العالمية لها .
وإذا كانت كل المدن والقرى المصرية قد ضربت أروع الأمثلة في الكفاح والتصدي للعدوان الصهيوني متمثلٱ في مجموعة العصابات الحاكمة في إسرائيل، فإن النصيب الأكبر بلا شك كان وما يزال من نصيب الأرض المحتلة وكل شبر فيها.
وقد علمتنا الأرض المحتلة وعلمنا شعبنا الأبي في فلسطين ان الحق وان كان الأصل فيه أنه يعطى ولا يؤخذ، غير انه فى المجتمعات الظالمة لا يمنح بل يؤخذ انتزاعٱ.

وكانت جنين رائدة الصمود والتحدي في وجه القمع الإسرائيلي أكثر الأمثلة وضوحًا أو تأكيدًا لهذه المقولة فتاريخ هذه المدينة الباسلة يعرفه القاصي والداني، ويقر به المجتمع الدولي على كل الأصعدة، فرضت جنين تاريخيًا كلمتها وسط ضعف عربي لا يتعدى الرفض والشجب كلما تعرضت لاعتداء، فكان لزامًا على ابناءها التصدي بأنفسهم لحماية مدينتهم الباسلة، لذا كان لابد لشجرة الأبطال ان تتساقط أوراقها دفاعًا عن هذه البقعة الطاهرة، استشهد الأبطال واحدٍ تلو الآخر مزلزلين عرش الصهيونية العالمية ومسانديها، ومؤكدين انه لا استقرار في المنطقة إلا بحصول الشعب الفلسطيني على كل حقوقه غير منقوصة، وكما قلنا فتاريخ المدينه يشهد بذلك ففي عام 1799 قام سكان المدينة بحرق بساتين الزيتون لمنع الفرنسيين بقيادة نابليون بونابرت من دخول مدينتهم، فقام نابليون بحرق المدينة ونهبها.

وفي بدايات القرن العشرين وقعت جنين تحت الاحتلال البريطاني، لكنها لم تستسلم.

ثم جاء عز الدين القسام الذي نظم أول مقاومة مسلحة ضد الاحتلال البريطاني فيعام ١٩٣٥، حيث وجد في أهل من جنين من يؤمنون بالثورة، وبذا أصبحت جنين مركز للمقاومة الفلسطينية الذي انتقلت قيادته بعد استشهاد القسَّام إلى فرحان السعدي، سليل إحدى الأسر المقاوِمة.

وفي عام 1948حين وقع الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية وقتلت العصابات الصهيونية الآلاف من الفلسطينيين واحتلَّت منازلهم، تخلَّصت جنين من احتلال قصير نال منها بفضل الدفاع الشرس من المتطوعين الفلسطينيين.
ثم اقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلي وآلياتها العسكرية مدينة جنين بُغية اعتقال أحد عناصر حركة حماس، ووقع اشتباك مسلح مع مجموعة من المقاومين، أسفر عن استشهاد 4 شباب فلسطينيين من المدينة ومخيمها، قبل أن يخرج جنود الاحتلال من المخيم تحت غطاء كثيف من إطلاق الرصاص الحي لحماية أنفسهم.

وفي نفس العام وقعت عملية إطلاق نار نفَّذها الفلسطيني ضياء حمارشة (27 عاما)، وأسفرت عن مقتل 5 إسرائيليين وإصابة 6 آخرين.

وفي عام 2022 خرج الشاب رعد حازم (29 عاما) من منزله بمخيم جنين شمال الضفة الغربية حتى وصل إلى شارع ديزنغوف، المسمى على اسم مؤسس تل أبيب مائير ديزنغوف، وشهد الشارع بعض أشهر العمليات الفدائية التي قتل فيها ما لا يقل عن 40 إسرائيليا.

فتح حازم نيران سلاحه على الموجودين في الشارع ليترك خلفه 5 من القتلى و6 جرحى. وبهدوء تام، انسحب رعد وجلس على كرسي قبل أن يختفي عن الأنظار، لتبدأ قوات الاحتلال الإسرائيلي البحث عن منفذ العملية التي وقعت في أحد أكثر الشوارع حساسية وأهمية في إسرائيل.

ـ بينما كانت تل أبيب -التي يطلق عليها سكانها المدينة التي لا تنام- تغلق حاناتها ومطاعهما ومراقصها بعد العملية، تنفيذا لتعليمات الأمن وتحسبا لظهور المسلح الشبح مرة أخرى، كان رعد حازم يتخطى كافة الإجراءات الأمنية متجها إلى مدينة يافا.

بعض ساعات استغرقتها قوات الاحتلال في البحث عن المسلح الشبح، في أزقة تل أبيب، وحتى لحظة استشهاده في مدينة يافا قرابة السادسة من فجر الجمعة الأولى من شهر رمضان 1443 الموافق الثامن من أبريل/نيسان 2022.

ـ بعدها ومن محاور عدة لمدينة جنين، أقتحم أكثر من 200 عنصر إسرائيلي مخيم جنين، وحي الجابريات بالقرب منه، وأطراف قرية برقين المتاخمة للمخيم، وقرية عرَّانة في المنطقة الشرقية للمدينة.

ـ منذ بداية عام 2022 ووفق إحصاءات فلسطينية، فقدت جنين 10 شهداء وأصيب العشرات، لتسجل بذلك أعلى المدن عددا بين الشهداء والجرحى وأعلاها بعمليات المقاومة وتنفيذ “كتائبها” هجمات ضد نقاط الاحتلال العسكرية من حواجز وأبراج.
وأخيرًا وفي عام 2002 اقتحم جيش الاحتلال مخيم جنين بقوات كبيرة من الجيش والمشاة والدبابات بعد تطويقه بالكامل.

تلك العملية التي أطلقت عليها إسرائيل السور الواقي استعدت لها المقاومة بتشكيل غرفة عمليات مشتركة من كافة الفصائل بقيادة الشهيد طوالبة وغيره من قادة الأجنحة العسكرية للفصائل، التي استطاعت تجهيز 200 مقاوم مسلحين بالبنادق والعبوات بدائية الصنع.

تحية تقدير واعزاز للمدينة واهلها الابطال البواسل اللذين سطروا ملحمة البطولة بحروف من نور وسط ضعف عربي، تمثل ودور غائب للمجتمع الدولي.

جنين بلد الصمود في وجه القمع الإسرائيلي وأثر ذلك محليًا ودوليًا على الاستقرار بالمنطقة
د. ماهر جبر
جنين بلد الصمود في وجه القمع الإسرائيلي وأثر ذلك محليًا ودوليًا على الاستقرار بالمنطقة
العدد السابع عشر من جريدة عالم النجوم

مايسة عبد الحميد

نائب رئيس مجلس إدارة الموقع
شاهد ايضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى